لَمْ تَسْتَحِقَّهُ مَعَ وُجُوبِ بَعْضِ الْمَهْرِ، فَأَنْ لَا تَسْتَحِقَّهُ مَعَ وُجُوبِ جَمِيعِهِ أَوْلَى.
وَالثَّانِي : أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهَا قَدْ اسْتَحَقَّتْ شَيْئًا مِنْ الْمَهْرِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا.
فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا وَجَبَتْ الْمُتْعَةُ حِينَ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُهَا عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَهْرِ أَوْلَى.
قِيلَ لَهُ : فَيَنْبَغِي أَنْ تَسْتَحِقَّهَا إذَا وَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ لِوُجُوبِهَا عِنْدَ عَدَمِ شَيْءٍ مِنْهُ ؛ وَأَيْضًا فَإِنَّمَا اسْتَحَقَّتْهَا عِنْدَ فَقْدِ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ لِعِلَّةِ أَنَّ الْبُضْعَ لَا يَخْلُو مِنْ بَدَلٍ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَبَعْدَهُ، فَلَمَّا لَمْ يَجِبْ الْمَهْرُ وَجَبَتْ الْمُتْعَةُ، وَلَمَّا اسْتَحَقَّتْ بَدَلًا آخَرَ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَسْتَحِقَّهَا.
فَإِنْ قِيلَ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ وَذَلِكَ عَامٌّ فِي سَائِرِهِنَّ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ.
قِيلَ لَهُ : هُوَ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّ الْمَتَاعَ اسْمٌ لِجَمِيعِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ وَقَالَ تَعَالَى :﴿ إنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ ﴾ وَقَالَ الْأَفْوَهُ الْأَوْدِيُّ : إنَّمَا نِعْمَةُ قَوْمٍ مُتْعَةٌ وَحَيَاةُ الْمَرْءِ ثَوْبٌ مُسْتَعَارُ فَالْمُتْعَةُ وَالْمَتَاعُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ.
وَنَحْنُ فَمَتَى أَوْجَبْنَا لِلْمُطْلَقَاتِ شَيْئًا مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ مَهْرٍ أَوْ نَفَقَةٍ فَقَدْ قَضَيْنَا عُهْدَةَ الْآيَةِ، فَمُتْعَةُ الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا نِصْفُ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى وَاَلَّتِي لَمْ يُسَمَّ لَهَا عَلَى قِدْرِ حَالِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَلِلْمَدْخُولِ بِهَا تَارَةً الْمُسَمَّى وَتَارَةً مَهْرُ الْمِثْلِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى، وَذَلِكَ كُلُّهُ مُتْعَةٌ ؛ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ إذَا أَوْجَبْنَا لَهَا ضَرْبًا مِنْ الْمُتْعَةِ أَنْ نُوجِبَ لَهَا سَائِرَ ضُرُوبِهَا ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى :


الصفحة التالية
Icon