قَوْله تَعَالَى :﴿ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ﴾.
رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ قَالُوا :( هُوَ الْمُضَارَّةُ فِي الرَّضَاعِ ).
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمَ قَالَا :( إذَا قَامَ الرَّضَاعُ عَلَى شَيْءٍ خُيِّرَتْ الْأُمُّ ).
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَمَعْنَاهُ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا بِأَنْ لَا تُعْطَى إذَا رَضِيَتْ بِأَنْ تُرْضِعَهُ بِمِثْلِ مَا تُرْضِعُهُ بِهِ الْأَجْنَبِيَّةُ، بَلْ تَكُونُ هِيَ أَوْلَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ مِنْ قَوْلِهِ :﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ فَجَعَلَ الْأُمَّ أَحَقَّ بِرَضَاعِ الْوَلَدِ هَذِهِ الْمُدَّةَ، ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا ﴾ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا إذَا رَضِيَتْ بِأَنْ تُرْضِعَ بِمِثْلِ مَا تُرْضِعُ بِهِ غَيْرُهَا، لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ أَنْ يُضَارَّهَا فَيَدْفَعَهُ إلَى غَيْرِهَا ؛ وَهُوَ كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى :﴿ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾ فَجَعَلَهَا أَوْلَى بِالرَّضَاعِ، ثُمَّ قَالَ :﴿ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ﴾ فَلَمْ يُسْقِطْ حَقَّهَا مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا عِنْدَ التَّعَاسُرِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهَا لَا تُضَارُّ بِوَلَدِهَا إذَا لَمْ تَخْتَرْ أَنْ تُرْضِعَهُ بِأَنْ يُنْتَزَعَ مِنْهَا، وَلَكِنَّهُ يُؤْمَرُ الزَّوْجُ بِأَنْ يُحْضِرَ الظِّئْرَ إلَى عِنْدِهَا حَتَّى تُرْضِعَهُ فِي بَيْتِهَا ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا.
وَلَمَّا كَانَتْ الْآيَةُ مُحْتَمِلَةً لِلْمُضَارَّةِ فِي نَزْعِ الْوَلَدِ مِنْهَا وَاسْتِرْضَاعِ غَيْرِهَا، وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ، فَيَكُونُ الزَّوْجُ مَمْنُوعًا مِنْ اسْتِرْضَاعِ غَيْرِهَا إذَا رَضِيَتْ هِيَ بِأَنْ تُرْضِعَهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا وَهِيَ الرِّزْقُ وَالْكِسْوَةُ بِالْمَعْرُوفِ، وَإِنْ لَمْ تُرْضِعْ أُجْبِرَ الزَّوْجُ عَلَى إحْضَارِ الْمُرْضِعَةِ حَتَّى.
تُرْضِعَهُ فِي بَيْتِهَا