لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } فَعَلَّقَ اسْتِحْقَاقَ كَمَالِ الْمَهْرِ وَوُجُوبَ الْعِدَّةِ بِوُجُودِ الْمَسِيسِ وَهُوَ الْوَطْءُ ؛ إذْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ وُجُودَ الْمَسِّ بِالْيَدِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ : أَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ﴾ قَدْ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِيهِ عَلَى مَا وَصَفْنَا، فَتَأَوَّلَهُ عَلِيٌّ وَعُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَزَيْدُ وَابْنُ عُمَرَ عَلَى الْخَلْوَةِ ؛ فَلَيْسَ يَخْلُو هَؤُلَاءِ مِنْ أَنْ يَكُونُوا تَأَوَّلُوهَا مِنْ طَرِيقِ اللُّغَةِ أَوْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ اسْمٌ لَهُ فِي الشَّرْعِ ؛ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ تَأْوِيلُ اللَّفْظِ عَلَى مَا لَيْسَ بِاسْمٍ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي اللُّغَةِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ اسْمًا لَهُ مِنْ طَرِيقِ اللُّغَةِ فَهُمْ حُجَّةٌ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِاللُّغَةِ مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ طَرِيقِ الشَّرْعِ فَأَسْمَاءُ الشَّرْعِ لَا تُؤْخَذُ إلَّا تَوْقِيفًا ؛ وَإِذَا صَارَ ذَلِكَ اسْمًا لَهَا صَارَ تَقْدِيرُ الْآيَةِ : وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ الْخَلْوَةِ فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ، وَأَيْضًا لَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ الْمَسِّ بِالْيَدِ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْجِمَاعِ وَبَعْضُهُمْ، عَلَى الْخَلْوَةِ، وَمَتَى كَانَ اسْمًا لِلْجِمَاعِ كَانَ كِنَايَةً عَنْهُ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ ؛ وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الْخَلْوَةُ سَقَطَ اعْتِبَارُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ، لِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ مَعْنَاهُ وَهُوَ الْمَسُّ بِالْيَدِ، وَوَجَبَ طَلَبُ الدَّلِيلِ عَلَى الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِهِ ؛ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الدَّلَالَةِ يَقْتَضِي أَنَّ مُرَادَ الْآيَةِ هُوَ الْخَلْوَةُ دُونَ الْجِمَاعِ، فَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ لَا يَخُصَّ بِهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ ظَوَاهِرِ الْآيِ وَالسُّنَّةِ.
وَأَيْضًا لَوْ اعْتَبَرْنَا حَقِيقَةَ اللَّفْظِ اقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَوْ خَلَا بِهَا وَمَسَّهَا بِيَدِهِ أَنْ تَسْتَحِقَّ كَمَالَ الْمَهْرِ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ الْمَسِّ، وَإِذَا لَمْ يَخْلُ بِهَا وَمَسَّهَا بِيَدِهِ


الصفحة التالية
Icon