بَابُ الرَّجُلُ يَمُوتُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَيُوصِي بِوَصِيَّةٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾ وَرُوِيَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ :﴿ تَقْرَءُونَ الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الدَّيْنِ، وَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ ﴾.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ :﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾ أَنَّ الْمِيرَاثَ بَعْدَ هَذَيْنِ، وَلَيْسَتْ " أَوْ " فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِأَحَدِهِمَا بَلْ قَدْ تَنَاوَلْتُهُمَا جَمِيعًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ :﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾ مُسْتَثْنًى عَنْ الْجُمْلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ، وَمَتَى دَخَلَتْ " أَوْ " عَلَى النَّفْيِ صَارَتْ فِي مَعْنَى " الْوَاوِ " كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا ﴾ وَقَالَ تَعَالَى :﴿ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ﴾ فَكَانَتْ " أَوْ " فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بِمَنْزِلَةِ " الْوَاوِ " فَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾ لَمَّا كَانَ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ : إلَّا أَنْ تَكُونَ هُنَاكَ وَصِيَّةٌ أَوْ دَيْنٌ فَيَكُونُ الْمِيرَاثُ بَعْدَهُمَا جَمِيعًا.
وَتَقْدِيمُ الْوَصِيَّةِ عَلَى الدَّيْنِ فِي الذِّكْرِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلتَّبْدِئَةِ بِهَا عَلَى الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ " أَوْ " لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بَعْدَ ذِكْرِ الْمِيرَاثِ إعْلَامًا لَنَا أَنَّ سِهَامَ الْمَوَارِيثِ جَارِيَةٌ فِي التَّرِكَةِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَعَزْلِ حِصَّةِ الْوَصِيَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ كَانَتْ سِهَامُ الْوَرَثَةِ مُعْتَبَرَةً بَعْدَ الثُّلُثِ فَيَكُونُ لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ أَوْ الثُّمُنُ فِي الثُّلُثَيْنِ ؟ وَكَذَلِكَ سِهَامُ سَائِرِ أَهْلِ الْمِيرَاثِ جَارِيَةٌ فِي الثُّلُثَيْنِ دُونَ الثُّلُثِ الَّذِي فِيهِ الْوَصِيَّةُ.
فَجَمَعَ


الصفحة التالية
Icon