مِنْ النَّاسِ فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِالْمِيرَاثِ وَالْمَوَارِيثُ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْإِسْلَامُ وَقُرْبُ النَّسَبِ إذَا كَانَ مِلْكًا لِمُسْلِمٍ إلَى أَنْ زَالَ عَنْهُ بِالرِّدَّةِ الْمُوجِبَةِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ كَمَا يَزُولُ بِالْمَوْتِ، فَلَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ حُكْمُ مَالِهِ الْمُكْتَسَبِ فِي حَالِ الرِّدَّةِ.
وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ أَصْلًا لِلْمَالِ الْمُكْتَسَبِ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ كَانَ صَحِيحًا إلَى أَنْ زَالَ عَنْهُ الْمَوْتُ، وَالْمَالُ الْمُكْتَسَبُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ بِمَنْزِلَةِ مَالِ الْحَرْبِيِّ مِلْكُهُ فِيهِ غَيْرُ صَحِيحٍ ؛ لِأَنَّهُ اكْتَسَبَهُ وَهُوَ مُبَاحُ الدَّمِ، فَمَتَى حَصَلَ فِي يَدِ الْمُسْلِمِينَ صَارَ مَغْنُومًا، بِمَنْزِلَةِ حَرْبِيٍّ دَخَلَ إلَيْنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ فَأَخَذْنَاهُ مَعَ مَالِهِ أَنَّ مَالَهُ يَكُونُ غَنِيمَةً، فَكَذَلِكَ مَالُ الْمُرْتَدِّ الَّذِي اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ.
فَإِنْ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : مَرَّ بِي خَالِي أَبُو بُرْدَةَ وَمَعَهُ الرَّايَةُ فَقُلْت : إلَى أَيْنَ تَذْهَبُ ؟ فَقَالَ :﴿ أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةَ أَبِيهِ أَنْ أَقْتُلَهُ وَآخُذَ مَالَهُ ﴾ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَالَ الْمُرْتَدِّ فَيْءٌ.
قِيلَ لَهُ : إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ كَانَ مُحَارِبًا مَعَ اسْتِحْلَالِهِ لِذَلِكَ حَرْبِيًّا فَكَانَ مَالُهُ مَغْنُومًا ؛ لِأَنَّ الرَّايَةَ إنَّمَا تُعْقَدُ لِلْمُحَارَبَةِ ؛ وَقَدْ رَوَى مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ :﴿ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ جَدَّ مُعَاوِيَةَ إلَى رَجُلٍ عَرَّسَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَهُ وَيُخَمِّسَ مَالَهُ ﴾، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَالَ ذَلِكَ الرَّجُلِ كَانَ مَغْنُومًا بِالْمُحَارَبَةِ وَلِذَلِكَ أُخِذَ مِنْهُ الْخُمُسُ.
فَإِنْ قِيلَ : مَا أَنْكَرْت أَنْ يَكُونَ مَالُ الْمُرْتَدِّ مَغْنُومًا ؟ قِيلَ لَهُ : أَمَّا مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ فَهُوَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ فَغَيْرُ جَائِزٍ