الْمُخَاطَبِ، وَلَيْسَ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاَللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ ﴾ دَلَالَةٌ مِنْ الْحَالِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْفَاحِشَةُ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ كِنَايَةً رَاجِعَةً إلَى الْفَاحِشَةِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي أَوَّلِ الْآيَةِ ؛ إذْ لَوْ لَمْ تَكُنْ كِنَايَةً عَنْهَا لَمْ يَسْتَقِمْ الْكَلَامُ بِنَفْسِهِ فِي إيجَابِ الْفَائِدَةِ وَإِعْلَامِ الْمُرَادِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْله تَعَالَى :﴿ مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ﴾ وقَوْله تَعَالَى :﴿ إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ لِأَنَّ مِنْ مَفْهُومِ ذِكْرِ الْإِنْزَالِ أَنَّهُ الْقُرْآنُ، وَفِي مَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى :﴿ مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ﴾ أَنَّهَا الْأَرْضُ، فَاكْتَفَى بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَعِلْمِ الْمُخَاطَبِ بِالْمُرَادِ عَنْ ذِكْرِ الْمَكِنِيِّ عَنْهُ ؛ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْخِطَابِ أَنْ يَكُونَ تَرْتِيبُ مَعَانِي الْآيَتَيْنِ عَلَى حَسَبِ تَرْتِيبِ اللَّفْظِ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَا نَزَلَتَا مَعًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْأَذَى نَازِلًا بَعْدَ الْحَبْسِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْأَذَى مَنْ أُرِيدَ بِالْحَبْسِ مِنْ النِّسَاءِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : مَا رُوِيَ عَنْ السُّدِّيِّ أَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاَللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ ﴾ إنَّمَا كَانَ حُكْمًا فِي الْبِكْرَيْنِ خَاصَّةً، وَالْأَوْلَى فِي الثَّيِّبَاتِ دُونَ الْأَبْكَارِ.
إلَّا أَنَّ هَذَا قَوْلٌ يُوجِبُ تَخْصِيصَ اللَّفْظِ بِغَيْرِ دَلَالَةٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ سَائِغٍ لِأَحَدٍ مَعَ إمْكَانِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظَيْنِ عَلَى حَقِيقَةِ مُقْتَضَاهُمَا ؛ وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ تُصْرَفُ وُجُوهُ الِاحْتِمَالِ فِي حُكْمِ الْآيَتَيْنِ وَتَرْتِيبِهِمَا فَإِنَّ الْأُمَّةَ لَمْ تَخْتَلِفْ فِي نَسْخِ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ عَنْ الزَّانِيَيْنِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي مَعْنَى السَّبِيلِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ السَّبِيلَ الَّذِي جَعَلَهُ لَهُنَّ الْجَلْدُ لِغَيْرِ الْمُحْصَنِ وَالرَّجْمُ لِلْمُحْصَنِ " وَعَنْ قَتَادَةَ مِثْلُ ذَلِكَ.
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ :{ أَوْ


الصفحة التالية
Icon