عَلَيْهِ مِنْ مُنَاظَرَتِهِ وَتَسْلِيمِهِ مَا لَا يَجُوزُ تَسْلِيمُهُ وَمُطَالَبَتُهُ لِلْمَسْئُولِ بِالْفُرُوقِ الَّتِي لَا تُوجِبُ فَرْقًا فِي مَعَانِي الْعِلَلِ وَالْمُقَايَسَاتِ، ثُمَّ انْتِقَالُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ إلَى مَذْهَبِهِ عَلَى مَا زَعَمَ وَتَرْكُهُ لِقَوْلِ أَصْحَابِهِ وَالْآخَرُ : قِلَّةُ الْعَقْلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ صَاحِبَهُ لَوْ سَمِعَ بِمِثْلِ ذَلِكَ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ، فَقَضَى بِالظَّنِّ عَلَى غَيْرِهِ فِيمَا لَا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ.
وَسُرُورُ الشَّافِعِيِّ بِمُنَاظَرَةِ مِثْلِهِ وَانْتِقَالُهُ إلَى مَذْهَبِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا مُتَقَارَبَيْنِ فِي الْمُنَاظَرَةِ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ فِي مَعْنَى الْمُبْتَدِئِ وَالْمُغَفَّلِ الْعَامِّيِّ لَمَا أَثْبَتَ مُنَاظَرَتَهُ إيَّاهُ فِي كِتَابِهِ، وَلَوْ كُلِّمَ بِذَلِكَ الْمُبْتَدِئُونَ مِنْ أَحْدَاثِ أَصْحَابِنَا لَمَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ عَوَارُ هَذَا الْحِجَاجِ وَضَعْفُ السَّائِلِ وَالْمَسْئُولِ فِيهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ قَالَ لِمُنَاظِرِهِ :" جَعَلْت الْفُرْقَةَ إلَى الْمَرْأَةِ بِتَقْبِيلِهَا ابْنَ زَوْجِهَا وَاَللَّهُ لَمْ يَجْعَل الْفُرْقَةَ إلَيْهَا ؟ قَالَ : فَقَالَ : فَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا إذَا ارْتَدَّتْ ؟ قَالَ : قُلْت : وَأَقُولُ إنْ رَجَعَتْ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَهُمَا عَلَى النِّكَاح، أَفَتَزْعُمْ أَنْتَ فِي الَّتِي تُقَبِّلُ ابْنَ زَوْجِهَا مِثْلَهُ ؟ قَالَ : لَا " قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَأَنْكَرَ عَلَى خَصْمِهِ وُقُوعَ التَّحْرِيمِ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ، ثُمَّ قَالَ هُوَ بِهَا وَجَعَلَ إلَيْهَا الرَّجْعَةَ كَمَا جَعَلَ إلَيْهَا التَّحْرِيمَ.
ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ :" فَأَقُولُ إنْ مَضَتْ الْعِدَّةُ فَرَجَعَتْ إلَى الْإِسْلَامِ كَانَ لِزَوْجِهَا أَنْ يَنْكِحَهَا، أَفَتَزْعُمُ فِي الَّتِي تُقَبِّلُ ابْنَ زَوْجِهَا مِثْلَهُ ؟ قَالَ : وَالْمُرْتَدَّةُ تَحْرُمُ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ حَتَّى تُسْلِمَ، وَتَقْبِيلُ ابْنِ الزَّوْجِ لَيْسَ كَذَلِكَ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَنَاقَضَ عَلَى أَصْلِهِ فِيمَا أَنْكَرَهُ عَلَى خَصْمِهِ ؛ ثُمَّ أَخَذَ فِي ذِكْرِ الْفُرُوقِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي مَضَى


الصفحة التالية
Icon