وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ﴾ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَأَبِي صَالِحٍ :" الْحَرَامُ بِالْحَلَالِ " أَيْ لَا تَجْعَلْ بَدَلَ رِزْقِك الْحَلَالِ حَرَامًا تَتَعَجَّلُ بِأَنْ تَسْتَهْلِكَ مَالَ الْيَتِيمِ فَتُنْفِقَهُ أَوْ تَتَّجِرَ فِيهِ لِنَفْسِك أَوْ تَحْبِسَهُ وَتُعْطِيَهُ غَيْرَهُ، فَيَكُونُ مَا تَأْخُذُهُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ خَبِيثًا حَرَامًا وَتُعْطِيهِ مَالِكَ الْحَلَالِ الَّذِي رَزَقَك اللَّهُ تَعَالَى ؛ وَلَكِنْ آتُوهُمْ أَمْوَالَهُمْ بِأَعْيَانِهَا " وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَلِيَّ الْيَتِيمِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ مَالَ الْيَتِيمِ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا يَسْتَبْدِلُ فَيَحْبِسُهُ لِنَفْسِهِ وَيُعْطِيهِ غَيْرَهُ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَى لِلْيَتِيمِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حُظِرَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ لِنَفْسِهِ وَيُعْطِيَ الْيَتِيمَ غَيْرَهُ.
وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ سَوَاءً ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حُظِرَ عَلَيْهِ اسْتِبْدَالُ مَالِ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ، فَهُوَ عَامٌّ فِي سَائِرِ وُجُوهِ الِاسْتِبْدَالِ إلَّا مَا قَامَ دَلِيلُهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَا يُعْطِي الْيَتِيمَ أَكْثَرَ قِيمَةً مِمَّا يَأْخُذُهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالزُّهْرِيُّ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ :﴿ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ﴾ قَالَ :" لَا تَجْعَلُوا الزَّائِفَ بَدَلَ الْجَيِّدِ وَالْمَهْزُولَ بَدَلَ السَّمِينِ ".
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى :﴿ لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إلَى أَمْوَالِكُمْ ﴾ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيِّ :" لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ مَعَ أَمْوَالِكُمْ مُضِيفِينَ لَهَا إلَى أَمْوَالِكُمْ "، فَنُهُوا عَنْ خَلْطِهَا بِأَمْوَالِهِمْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِقْرَاضِ لِتَصِيرَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَيَجُوزُ لَهُمْ أَكْلُهَا وَأَكْلُ أَرْبَاحِهَا.
قَوْله تَعَالَى :