قَوْله تَعَالَى :﴿ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَدْ اقْتَضَى ذَلِكَ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي سَائِرِ الْوُجُوهِ لِعُمُومِ اللَّفْظِ ؛ وَالْجَمْعُ عَلَى وُجُوهٍ : مِنْهَا أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا مَعًا فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ جَامِعٌ بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى بِجَوَازِ نِكَاحِهَا مِنْ الْأُخْرَى، وَلَا يَجُوزُ تَصْحِيحُ نِكَاحِهِمَا مَعَ تَحْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا، وَغَيْرُ جَائِزٍ تَخْيِيرُ الزَّوْجِ فِي أَنْ يَخْتَارَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْعُقْدَةَ وَقَعَتْ فَاسِدَةً مِثْلَ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ أَوْ هِيَ تَحْتَ زَوْجٍ، فَلَا يَصِحُّ أَبَدًا.
وَمِنْ الْجَمْعِ أَنْ يَتَزَوَّجَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ يَتَزَوَّجَ الْأُخْرَى بَعْدَهَا، فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بِهَا حَصَلَ وَعَقْدُهَا وَقَعَ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَعَقْدُ الْأُولَى وَقَعَ مُبَاحًا، فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِيَةِ.
وَمِنْ الْجَمْعِ أَيْضًا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ وَطْئِهِمَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَيَطَأَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ يَطَأَ الْأُخْرَى قَبْلَ إخْرَاجِ الْمَوْطُوءَةِ الْأُولَى مِنْ مِلْكِهِ ؛ فَهَذَا ضَرْبٌ مِنْ الْجَمْعِ، وَقَدْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ السَّلَفِ ثُمَّ زَالَ وَحَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ ؛ وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا أَبَاحَا ذَلِكَ وَقَالَا :" أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ " وَقَالَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَالزُّبَيْرُ وَابْنُ عُمَرَ وَعَمَّارٌ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ :" لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ "، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ :" أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ " فَإِذَا أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ فَالْحَرَامُ أَوْلَى.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِي قَالَ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَيُّوبَ الْغَافِقِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي إيَاسُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ : سَأَلْت


الصفحة التالية
Icon