التَّحْرِيمَ أَوْلَى مِنْ التَّحْلِيلِ.
وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ هُوَ قَوْلٌ مُنْكَرٌ لِاقْتِضَاءِ حَقِيقَتِهِ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ وَاحِدٌ مُبَاحًا مَحْظُورًا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْكَرَ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَأَنَّهُ إذَا كَانَ مُقَيَّدًا بِالْقَطْعِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ كَانَ سَائِغًا جَائِزًا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ فِي الْخَبَرِ الْآخَرِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ أَوْلَى لَوْ تَسَاوَتْ الْآيَتَانِ فِي إيجَابِ حُكْمَيْهِمَا أَنَّ فِعْلَ الْمَحْظُورِ يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعِقَابَ وَتَرْكَ الْمُبَاحِ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعِقَابَ، وَالِاحْتِيَاطُ الِامْتِنَاعُ مِمَّا لَا يَأْمَنُ اسْتِحْقَاقَ الْعِقَابِ بِهِ، فَهَذِهِ قَضِيَّةٌ وَاجِبَةٌ فِي حُكْمِ الْعَقْلِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْآيَتَيْنِ غَيْرُ مُتَسَاوِيَتَيْنِ فِي إيجَابِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ الِاعْتِرَاضُ بِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى ؛ إذْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وُرُودُهَا فِي سَبَبٍ غَيْرِ سَبَبِ الْأُخْرَى وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ﴾ وَارِدٌ فِي حُكْمِ التَّحْرِيمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ ﴾ ﴿ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ ﴾ وَسَائِرُ مَنْ ذُكِرَ فِي الْآيَةِ تَحْرِيمُهَا.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ وَارِدٌ فِي إبَاحَةِ الْمَسْبِيَّةِ الَّتِي لَهَا زَوْجٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ ؛ وَأَفَادَ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ وَقَطْعَ الْعِصْمَةِ فِيمَا بَيْنَهُمَا، فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ إيقَاعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَ الْمَسْبِيَّةِ وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَإِبَاحَتِهَا لِمَالِكِهَا، فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِرَاضُ بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ؛ إذْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْآيَتَيْنِ وَارِدَةٌ فِي سَبَبٍ غَيْرِ سَبَبِ الْأُخْرَى، فَيُسْتَعْمَلُ حُكْمُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا