ضُرُوبِ الْجَمْعِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَحْظُورًا مُنْتَفِيًا بِتَحْرِيمِهِ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا.
فَإِنْ قِيلَ : قَوْله تَعَالَى :﴿ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ﴾ مَقْصُورٌ عَلَى النِّكَاحِ دُونَ غَيْرِهِ.
قِيلَ لَهُ : هَذَا غَلَطٌ، لِاتِّفَاقِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ ؛ وَلَيْسَ مِلْكُ الْيَمِينِ بِنِكَاحٍ، فَعَلِمْنَا أَنَّ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى النِّكَاحِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ اقْتِصَارَك بِالتَّحْرِيمِ عَلَى النِّكَاحِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ ضُرُوبِ الْجَمْعِ تَخْصِيصٌ بِغَيْرِ دَلَالَةٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ سَائِغٍ لِأَحَدٍ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِي ذَلِكَ، فَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ وَعَطَاءٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَمُجَاهِدٍ فِي آخَرِينَ مِنْ التَّابِعِينَ :" أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا، وَكَذَلِكَ لَا يَتَزَوَّجُ الْخَامِسَةَ وَإِحْدَى الْأَرْبَعِ تَعْتَدُّ مِنْهُ "، فَبَعْضُهُمْ أَطْلَقَ الْعِدَّةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَرُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَخِلَاسٍ :" لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا إذَا كَانَتْ عِدَّتُهَا مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ " وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَاخْتَلَفَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ، فَرُوِيَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رِوَايَتَانِ، إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يَتَزَوَّجُهَا، وَالْأُخْرَى أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُهَا ؛ وَقَالَ قَتَادَةُ : رَجَعَ الْحَسَنُ عَنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ يَتَزَوَّجُهَا فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا.
وَمَا قَدَّمْنَا مِنْ دَلَالَةِ الْآيَةِ وَعُمُومِهَا فِي تَحْرِيمِ الْجَمْعِ كَافٍ فِي إيجَابِ التَّحْرِيمِ مَا دَامَتْ الْأُخْتُ مُعْتَدَّةً مِنْهُ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ وَطْءِ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ،


الصفحة التالية
Icon