أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا عَلَى الْحَظْرِ فِي مَنْعِ اسْتِبَاحَتِهِ إلَّا بِمَا قَامَ دَلِيلُ جَوَازِهِ، وَهُوَ الْعَشَرَةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا وَمَا دُونَهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَالْبُضْعُ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ الْحَظْرِ.
وَأَيْضًا لِمَا لَمْ تَجُزْ اسْتِبَاحَتُهُ إلَّا بِبَدَلٍ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ الَّذِي بِهِ يَصِحُّ قِيمَةُ الْبُضْعِ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَأَنْ لَا يُحَطَّ عَنْهُ شَيْءٌ إلَّا بِدَلَالَةٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى غَيْرِ مَهْرٍ لَكَانَ الْوَاجِبُ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ؟ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ إسْقَاطُ شَيْءٍ مِنْ مُوجِبِهِ إلَّا بِدَلَالَةٍ، وَقَدْ قَامَتْ دَلَالَةُ الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ إسْقَاطِ مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا دُونَهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا بِإِيجَابِ الْعَقْدِ لَهُ ؛ إذْ لَمْ تَقُمْ الدَّلَالَةُ عَلَى إسْقَاطِهِ.
فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ﴾ اقْتَضَى ذَلِكَ إيجَابَ نِصْفِ الْفَرْضِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا.
قِيلَ لَهُ : لَمَّا ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَهْرَ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ كَانَتْ تَسْمِيتَةُ لِبَعْضِ الْعَشَرَةِ تَسْمِيَةً لَهَا، كَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا تَتَبَعَّضُ تَكُونُ تَسْمِيَتُهُ لِبَعْضِهَا تَسْمِيَةً لَجَمِيعِهَا، كَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهِمَا، وَإِذَا كَانَتْ الْعَشَرَةُ لَا تَتَبَعَّضُ فِي الْعَقْدِ صَارَتْ تَسْمِيَتُهُ لَبَعْضِهَا تَسْمِيَةً لَجَمِيعِهَا، فَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْعَشَرَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ هِيَ الْفَرْضُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ كَانَ مُطَلِّقًا لَهَا تَطْلِيقَةً كَامِلَةً، وَلَوْ طَلَّقَ نِصْفَهَا كَانَ مُطَلِّقًا لِجَمِيعِهَا ؟ وَكَذَلِكَ لَوْ عَفَا عَنْ نِصْفِ دَمٍ عَمْدٍ كَانَ عَافِيًا عَنْ جَمِيعِهِ ؟ فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ تَسْمِيَتُهُ


الصفحة التالية
Icon