وَاتَّبِعُوهُ } فَعَلَيْنَا اتِّبَاعُهُ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي تَزْوِيجَ الصَّغِيرَيْنِ، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ لِلْقَاضِي جَازَ لِسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ ﴾، فَأَثْبَتَ النِّكَاحَ إذَا كَانَ بِوَلِيٍّ، وَالْأَخُ وَابْنُ الْعَمِّ أَوْلِيَاءُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَبِيرَةً كَانُوا أَوْلِيَاءَ فِي النِّكَاحِ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ الْأَبَ وَالْجَدَّ إذَا لَمْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ بِأَنْ كَانَا كَافِرَيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ لَمْ يُزَوِّجَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ مُسْتَحَقَّةٌ بِالْمِيرَاثِ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ فَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ :" إنَّ لِلْأُمِّ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ أَنْ يُزَوِّجُوا إذَا لَمْ يَكُنْ أَقْرَبَ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ ".
فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا كَانَ فِي النِّكَاحِ مَالٌ وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ عَقْدُ مَنْ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي الْمَالِ.
قِيلَ لَهُ : إنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ فِي النِّكَاحِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ فَلَا اعْتِبَارَ فِيهِ بِالْوِلَايَةِ فِي الْمَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّ عِنْدَ مَنْ لَا يُجِيزُ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَلِلْأَوْلِيَاءِ حَقٌّ فِي التَّزْوِيجِ وَلَيْسَتْ لَهُمْ وِلَايَةٌ فِي الْمَالِ عَلَى الْكَبِيرَةِ ؟ وَيَلْزَمُ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ أَنْ لَا يُجِيزَا تَزْوِيجَ الْأَبِ لِابْنَتِهِ الْبِكْرِ الْكَبِيرَةِ ؛ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهَا فِي الْمَالِ، فَلَمَّا جَازَ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لِأَبِ الْبِكْرِ الْكَبِيرَةِ تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا مَعَ عَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهَا فِي الْمَالِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْوِلَايَةِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بِجَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ، وَلَا ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ دَلَالَةِ الْآيَةِ جَوَازُ تَزْوِيجِ وَلِيِّ الصَّغِيرَةِ


الصفحة التالية
Icon