رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ :" مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا أَنْهَى عَنْهُمَا وَأُعَاقِبُ عَلَيْهِمَا " وَقَالَ فِي خَبَرٍ آخَرَ :" لَوْ تَقَدَّمْت فِيهَا لَرَجَمْت "، فَلَمْ يُنْكِرْ هَذَا الْقَوْلَ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ، لَا سِيَّمَا فِي شَيْءٍ قَدْ عَلِمُوا إبَاحَتَهُ وَأَخْبَارَهُ بِأَنَّهُمَا كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَلَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ : إمَّا أَنْ يَكُونُوا قَدْ عَلِمُوا بَقَاءَ إبَاحَتِهَا فَاتَّفَقُوا مَعَهُ عَلَى حَظْرِهَا، وَحَاشَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونُوا مُخَالِفِينَ لِأَمْرٍ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيَانًا، وَقَدْ وَصَفَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُمْ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ ؛ فَغَيْرُ جَائِزٍ مِنْهُمْ التَّوَاطُؤُ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى الْكُفْرِ وَإِلَى الِانْسِلَاخِ مِنْ الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّ مَنْ عَلِمَ إبَاحَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُتْعَةِ ثُمَّ قَالَ هِيَ مَحْظُورَةٌ مِنْ غَيْرِ نَسْخٍ لَهَا فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمِلَّةِ.
فَإِذَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا حَظْرَهَا بَعْدَ الْإِبَاحَةِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُنْكِرُوهُ، وَلَوْ كَانَ مَا قَالَ عُمَرُ مُنْكَرًا وَلَمْ يَكُنْ النَّسْخُ عِنْدَهُمْ ثَابِتًا لَمَا جَازَ أَنْ يُقَارُّوهُ عَلَى تَرْكِ النَّكِيرِ عَلَيْهِ ؛ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى إجْمَاعِهِمْ عَلَى نَسْخِ الْمُتْعَةِ ؛ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ حَظْرُ مَا أَبَاحَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا مِنْ طَرِيقِ النَّسْخِ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ، أَنَّا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ وَإِنْ كَانَ وَاقِعًا عَلَى اسْتِبَاحَةِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ، فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَ تِلْكَ الْمَنَافِعِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ بِمَنْزِلَةِ الْعُقُودِ عَلَى الْمَمْلُوكَاتِ مِنْ الْأَعْيَانِ


الصفحة التالية
Icon