مَا بَعْدَ الْعَشَرَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ عَقْدٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا عَشْرَةَ أَيَّامٍ كَانَ الْعَقْدُ وَاقِعًا عَلَى عَشْرَةِ أَيَّامٍ وَمَا بَعْدَهَا لَيْسَ عَلَيْهَا عَقْدٌ، وَلَوْ سَكَنَهَا بَعْدَ الْعَشَرَةِ كَانَ غَاصِبًا سَاكِنًا لَهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْعَقْدِ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ :" آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ عَلَى أَنْ أَفْسَخَ الْعَقْدَ بَعْدَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ " " كَانَتْ إجَارَةً فَاسِدَةً مُؤَبَّدَةً مَا سَكَنَ مِنْهَا مِنْ الْمُدَّةِ فِي الْعَشَرَةِ وَبَعْدَ هَا يَلْزَمُهُ أَجْرُ الْمِثْلِ ؟ فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ إذَا عُقِدَ عَلَى عَشْرَةٍ فَلَيْسَ عَلَى مَا بَعْدَ الْعَشَرَةِ عَقْدٌ.
فَإِنْ قِيلَ : فَلَوْ قَالَ :" قَدْ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنَّك طَالِقٌ بَعْدَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ ".
كَانَ النِّكَاحُ مُوَقَّتًا ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بَعْدَ مُضِيِّ الْعَشَرَةِ.
قِيلَ لَهُ : لَيْسَ هَذَا نِكَاحًا مُوَقَّتًا بَلْ هُوَ مُؤَبَّدٌ، وَإِنَّمَا قَطَعَهُ بِالطَّلَاقِ ؛ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِ الطَّلَاقِ مَعَ الْعَقْدِ وَإِيقَاعِهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ وَقَعَ بَدِيًّا مُؤَبَّدًا، وَإِنَّمَا أَوْقَعَ طَلَاقًا لَوَقْتٍ مُسْتَقْبِلٍ، فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ تَوْقِيتَ الْعَقْدِ.
قَوْله تَعَالَى :﴿ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ﴾ مَعْنَاهُ الْمُهُورُ، فَسَمَّى الْمَهْرَ أَجْرًا لِأَنَّهُ بَدَلُ مَنَافِعِ الْبُضْعِ.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَهْرُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ لِمَنْ كَانَ مُحْصَنًا بِالنِّكَاحِ فِي قَوْلِهِ :﴿ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ﴾، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ ﴾، فَذَكَرَ الْإِحْصَانَ عَقِيبَ ذِكْرِ النِّكَاحِ وَسَمَّى الْمَهْرَ أَجْرًا.
وَقَوْلُهُ :﴿ فَرِيضَةً ﴾ تَأْكِيدٌ لَوُجُوبِهِ وَإِسْقَاطٌ لِلظَّنِّ وَتَوَهُّمِ التَّأْوِيلِ فِيهِ ؛ إذْ كَانَ الْفَرْضُ مَا هُوَ فِي أَعْلَى مَرَاتِبِ الْإِيجَابِ ؛ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.