وَإِنَّمَا قَالَ أَصْحَابُنَا : إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ تَزْوِيجُ الصَّغِيرَةِ، مِنْ قِبَلِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ ﴾، وَالْوَصِيُّ لَيْسَ بِوَلِيٍّ لَهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَهُ :﴿ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ﴾ فَلَوْ وَجَبَ لَهَا قَوَدٌ لَمْ يَكُنْ الْوَصِيُّ لَهَا وَلِيًّا فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْوِلَايَةَ فِيهِ ؟ فَثَبَتَ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْوَلِيِّ، فَوَاجِبٌ أَنْ لَا يَجُوزَ تَزْوِيجُهُ إيَّاهَا ؛ إذْ لَيْسَ بِوَلِيٍّ لَهَا.
فَإِنْ قِيلَ : فَوَاجِبٌ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَكُونَ الْأَخُ.
أَوْ الْعَمُّ وَلِيًّا لِلصَّغِيرَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَسْتَحِقَّانِ الْوِلَايَةَ فِي الْقِصَاصِ.
قِيلَ لَهُ : لَمْ نَجْعَلْ عَدَمَ الْوِلَايَةِ فِي الْقِصَاصِ عِلَّةً فِي ذَلِكَ حَتَّى يَلْزَمَنَا عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ الِاسْمَ لَا يُتَنَاوَلُ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ مَا يَسْتَحِقُّ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ، وَأَمَّا الْأَخُ وَالْعَمُّ فَهُمَا وَلِيَّانِ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْعَصَبَاتِ، وَأَحَدٌ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْوَلِيِّ عَلَى الْعَصَبَاتِ، قَالَ اللَّهَ تَعَالَى :﴿ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي ﴾.
قِيلَ : إنَّهُ أَرَادَ بِهِ بَنِي أَعْمَامِهِ وَعَصَبَاتِهِ، فَاسْمُ الْوَلِيِّ يَقَعُ عَلَى الْعَصَبَاتِ وَلَا يَقَعُ عَلَى الْوَصِيِّ ؛ فَلَمَّا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ ﴾ أَنْتَفَى بِذَلِكَ جَوَازُ تَزْوِيجِ الْوَصِيِّ لِلصَّغِيرَةِ ؛ إذْ لَيْسَ بِوَلِيٍّ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا ﴾ وَفِي لَفْظٍ آخَرَ :﴿ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ﴾ فَقَدْ اقْتَضَى بُطْلَانَ نِكَاحِ الْمَجْنُونَةِ وَالْبِكْرِ الْكَبِيرَةِ إذَا زَوَّجَهَا الْوَصِيُّ أَوْ تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ الْوَصِيِّ دُونَ إذْنِ الْوَلِيِّ لِحُكْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُطْلَانِ نِكَاحِهَا إذْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً بِغَيْرِ إذْنِ