وَمُحَالٌ أَنْ يُخَاطَبَ بِذَلِكَ إلَّا مَنْ قَدَرَ عَلَى نِكَاحِ الْمُشْرِكَةِ الْحُرَّةِ، وَمَنْ وَجَدَ طَوْلًا إلَى الْحُرَّةِ الْمُشْرِكَةِ فَهُوَ يَجِدُ طَوْلًا إلَى الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ جَوَازَ نِكَاحِ الْأَمَةِ مَعَ وُجُودِ الطَّوْلِ إلَى الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ مَعَ وُجُودِهِ إلَى الْحُرَّةِ الْمُشْرِكَةِ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ لَا تُحَرِّمُ نِكَاحَ أُخْرَى، كَالْقُدْرَةِ عَلَى تَزْوِيجِ الْبِنْتِ لَا يُحَرِّمُ تَزْوِيجَ الْأُمِّ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى نِكَاحِ الْمَرْأَةِ لَا يُحَرِّمُ نِكَاحَ أُخْتِهَا ؛ فَوَجَبَ عَلَى هَذَا أَنْ لَا تَمْنَعَ قُدْرَتُهُ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ مِنْ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ بَلْ الْأَمَةُ أَيْسَرُ أَمْرًا فِي ذَلِكَ مِنْ الْأُخْتَيْنِ وَالْأُمِّ وَالْبِنْتِ ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ جَوَازُ اجْتِمَاعِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ تَحْتَهُ عِنْدَ جَمِيعِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَامْتِنَاعُ اجْتِمَاعِ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَالْأُخْتَيْنِ تَحْتَهُ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ إمْكَانُ تَزْوِيجِ الْبِنْتِ الَّذِي هُوَ أَغْلَظُ حُكْمًا مَانِعًا مِنْ الْأُمِّ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ لِإِمْكَانِ تَزَوُّجِ الْحُرَّةِ تَأْثِيرٌ فِي مَنْعِ نِكَاحِ الْأَمَةِ.
وَاحْتَجَّ مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ﴾ إلَى قَوْله تَعَالَى :﴿ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾، وَأَنَّهُ أَبَاحَ نِكَاحَ الْأَمَةِ بِشَرْطِ عَدَمِ الطَّوْلِ إلَى الْحُرَّةِ وَخَشْيَةَ الْعَنَتِ، فَلَا تَجُوزُ اسْتِبَاحَتُهُ إلَّا بِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ جَمِيعًا ؛ وَهَذِهِ الْآيَةُ قَاضِيَةٌ عَلَى مَا تَلَوْت مِنْ الْآيِ لِمَا فِيهَا مِنْ بَيَانِ حُكْمِ الْأَمَةِ فِي التَّزْوِيجِ.
قِيلَ لَهُ : لَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حَظْرُ نِكَاحِ الْأَمَةِ فِي حَالِ وُجُودِ الطَّوْلِ إلَى الْحُرَّةِ.
وَإِنَّمَا فِيهَا إبَاحَتُهُ فِي حَالِ عَدَمِ الطَّوْلِ إلَيْهَا


الصفحة التالية
Icon