فَأَطْلَقَ اسْمَ الْإِحْصَانِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى الْإِمَاءِ وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ اسْمَ الْمُحْصَنَاتِ يَقَعُ عَلَى الْكِتَابِيَّاتِ مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ وَأَطْلَقَ اللَّهُ نِكَاحَ الْكِتَابِيَّاتِ الْمُحْصَنَاتِ بِقَوْلِهِ :﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ كَانَ عَامًّا فِي الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ مِنْهُنَّ فَإِنْ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ :﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ﴾ وَكَانَتْ هَذِهِ مُشْرِكَةً، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى :﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ﴾، فَكَانَتْ إبَاحَةُ نِكَاحِ الْإِمَاءِ مَقْصُورَةً عَلَى الْمُسْلِمَاتِ مِنْهُنَّ دُونَ الْكِتَابِيَّاتِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ نِكَاحُ الْإِمَاءِ الْكِتَابِيَّاتِ بَاقِيًا عَلَى حُكْمِ الْحَظْرِ.
قِيلَ لَهُ : إطْلَاقُ اسْمِ الْمُشْرِكَاتِ لَا يَتَنَاوَلُ الْكِتَابِيَّاتِ وَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ دُونَ غَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ :﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ ﴾ فَعَطَفَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إطْلَاقَ الِاسْمِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ دُونَ غَيْرِهِمْ فَلَمْ يَعُمَّ الْكِتَابِيَّاتِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ الِاعْتِرَاضُ بِهِ فِي حَظْرِ نِكَاحِ الْإِمَاءِ الْكِتَابِيَّاتِ.
وَأَيْضًا فَلَا خِلَافَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّ قَوْلَهُ :﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ قَاضٍ عَلَى قَوْلِهِ :﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ ﴾ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي جَوَازِ نِكَاحِ الْحَرَائِرِ الْكِتَابِيَّاتِ، فَلَيْسَ يَخْلُو حِينَئِذٍ قَوْلُهُ :﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ ﴾ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَامًّا فِي إطْلَاقِهِ لِلْكِتَابِيَّاتِ وَالْوَثَنِيَّاتِ أَوْ أَنْ يَكُونَ إطْلَاقُهُ مَقْصُورًا عَلَى الْوَثَنِيَّاتِ دُونَ الْكِتَابِيَّاتِ ؛ فَإِنْ كَانَ الْإِطْلَاقُ إنَّمَا