وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } الْحَرَائِرَ مِنْهُنَّ ؟ قِيلَ لَهُ : لَمَّا كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِذِكْرِ الْإِحْصَانِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ اسْتِيفَاءُ شَرَائِطِهِ، لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْتَصِرَ بِمَعْنَى الْإِحْصَانِ فِيهِ عَلَى بَعْضِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ دُونَ بَعْضٍ، بَلْ إذَا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ مِنْ وَجْهٍ وَجَبَ اعْتِبَارُ عُمُومِهِ فِيهِ، فَلَمَّا كَانَتْ الْأَمَةُ قَدْ يَتَنَاوَلُهَا اسْمُ الْإِحْصَانِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ مِنْ طَرِيقِ الْعِفَّةِ أَوْ غَيْرِهَا جَازَ اعْتِبَارُ عُمُومِ اللَّفْظِ فِيهِ، وَإِذَا جَازَ لَك أَنْ تَقْتَصِرَ بِاسْمِ الْإِحْصَانِ عَلَى الْحُرِّيَّةِ دُونَ غَيْرِهَا فَجَائِزٌ لَغَيْرِك أَنْ يَقْتَصِرَ بِهِ عَلَى الْعَفَافِ دُونَ غَيْرِهِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ لَنَا إجْمَالُ حُكْمِ اللَّفْظِ مَعَ، إمْكَانِ اسْتِعْمَالِهِ عَلَى الْعُمُومِ ؛ وَقَدْ أَطْلَقَ اللَّهُ اسْمَ الْإِحْصَانِ عَلَى الْأَمَةِ فَقَالَ تَعَالَى :﴿ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ ﴾ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَرَادَ : فَإِذَا أَسْلَمْنَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : فَإِذَا تَزَوَّجْنَ ؛ فَكَانَ اعْتِبَارُ هَذَا الْعُمُومِ سَائِغًا فِي إيجَابِ الْحَدِّ عَلَيْهِنَّ.
وَقَدْ قَالَ فِي الْآيَةِ :﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ ﴾ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ حُصُولَ جَمِيعِ شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْعَفَائِفَ مِنْهُنَّ، وَحَرَّمَ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ بِقَوْلِهِ :﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ فَكَانَ عُمُومًا فِي تَحْرِيمِ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُنَّ ؛ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ لَا يَمْنَعُ ذِكْرُ الْإِحْصَانِ فِيهِ مِنْ اعْتِبَارِ عُمُومِهِ فِيمَنْ يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ مِنْ جِهَةِ الْعَفَافِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ السَّلَفِ.
وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي إبَاحَةِ وَطْءِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ،