وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ مَهْرِهَا إذَا نَكَحَهَا سَمَّى لَهَا مَهْرًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَنْ سَمَّى وَبَيْنَ مِنْ لَمْ يُسَمِّ فِي إيجَابِهِ الْمَهْرَ.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أُرِيدَ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ قَوْله تَعَالَى :﴿ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ وَهَذَا إنَّمَا يُطْلَقُ فِيمَا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى الِاجْتِهَادِ وَغَالِبِ الظَّنِّ فِي الْمُعْتَادِ وَالْمُتَعَارَفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ وُجُوبَ دَفْعِ الْمَهْرِ إلَيْهَا، وَالْمَهْرُ وَاجِبٌ لِلْمَوْلَى دُونَهَا ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الْمَالِكُ لِلْوَطْءِ الَّذِي أَبَاحَهُ لِلزَّوْجِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لَبَدَلِهِ، كَمَا لَوْ آجَرَهَا لِلْخِدْمَةِ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْأُجْرَةِ دُونَهَا، كَذَلِكَ الْمَهْرُ ؛ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْأَمَةَ لَا تَمْلِكُ شَيْئًا فَلَا تَسْتَحِقُّ قَبْضَ الْمَهْرِ.
وَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ : إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إعْطَاءَهُنَّ الْمَهْرَ بِشَرْطِ إذْنِ الْمَوْلَى فِيهِ، فَيَكُونُ الْإِذْنُ الْمَذْكُورُ بَدِيًّا مُضْمَرًا فِي إعْطَائِهَا الْمَهْرَ كَمَا كَانَ مَشْرُوطًا فِي التَّزْوِيجِ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ : فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِإِذْنِهِنَّ ؛ فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ إعْطَاؤُهُنَّ الْمَهْرَ إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ ﴾ وَالْمَعْنَى : وَالْحَافِظَاتُ فُرُوجَهُنَّ وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ ﴾ وَمَعْنَاهُ : وَالذَّاكِرَاتُ اللَّهَ وَتَكُونُ دَلَالَةُ هَذَا الضَّمِيرِ مَا فِي الْآيَةِ مِنْ نَفْيِ مِلْكِهَا لِتَزْوِيجِهَا نَفْسَهَا وَأَنَّ الْمَوْلَى أَمْلَكُ بِذَلِكَ مِنْهَا ؛ وقَوْله تَعَالَى :﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ﴾ فَنَفَى مِلْكَهُ نَفْيًا عَامًا