ثُمَّ قَالَ :﴿ وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ ﴾ و " إذَا " هِيَ لِلْوَقْتِ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ الْأَمْرَ بِالشَّهَادَةِ عِنْدَ وُقُوعِ التَّبَايُعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْفُرْقَةِ، ثُمَّ أَمَرَ بِرَهْنٍ مَقْبُوضٍ فِي السَّفَرِ بَدَلًا مِنْ الِاحْتِيَاطِ بِالْإِشْهَادِ فِي الْحَضَرِ.
وَفِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ إبْطَالُ الرَّهْنِ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ إعْطَاءُ الرَّهْنِ بِدَيْنٍ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ، فَدَلَّتْ الْآيَةُ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الْأَمْرِ بِالْإِشْهَادِ عَلَى عَقْدِ الْمُدَايَنَةِ وَعَلَى التَّبَايُعِ وَالِاحْتِيَاطِ فِي تَحْصِينِ الْمَالِ تَارَةً بِالْإِشْهَادِ وَتَارَةً بِالرَّهْنِ أَنَّ الْعَقْدَ قَدْ أَوْجَبَ مِلْكَ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي وَمِلْكُ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ بِغَيْرِ خِيَارٍ لَهُمَا ؛ إذْ كَانَ إثْبَاتُ الْخِيَارِ نَافِيًا لِمَعَانِي الْإِشْهَادِ وَالرَّهْنِ وَنَافِيًا لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ.
فَإِنْ قِيلَ : الْأَمْرُ بِالْإِشْهَادِ وَالرَّهْنِ يَنْصَرِفُ إلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ : إمَّا أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ حَاضِرِينَ الْعَقْدَ وَيَفْتَرِقَانِ بِحَضْرَتِهِمْ فَتَصِحُّ حِينَئِذٍ شَهَادَتُهُمْ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ وَلُزُومِ الثَّمَنِ، وَإِمَّا أَنْ يَتَعَاقَدَا فِيمَا بَيْنَهُمَا عَقْدَ مُدَايَنَةٍ ثُمَّ يَفْتَرِقَانِ وَيُقِرَّانِ عِنْدَ الشُّهُودِ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَشْهَدُ الشُّهُودُ عَلَى إقْرَارِهِمَا بِهِ أَوْ يُرْهِنُهُ بِالدَّيْنِ رَهْنًا فَيَصِحُّ.
قِيلَ لَهُ : أَوَّلُ مَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا خِلَافُ الْآيَةِ وَفِيهِمَا إبْطَالُ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الِاحْتِيَاطِ بِالْإِشْهَادِ وَالرَّهْنِ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ :﴿ إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ﴾ إلَى قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ ﴾، فَأَمَرَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى عَقْدِ الْمُدَايَنَةِ عِنْدَ وُقُوعِهِ بِلَا تَرَاخٍ احْتِيَاطًا لَهُمَا، وَزَعَمْت أَنْتَ أَنَّهُ يَشْهَدُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ، وَجَائِزٌ أَنْ تَهْلِكَ السِّلْعَةُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَيَبْطُلُ الدَّيْنُ، أَوْ يَجْحَدُهُ إلَى أَنْ يَفْتَرِقَا وَيَشْهَدَا، وَجَائِزٌ أَنْ يَمُوتَ فَلَا يَصِلُ الْبَائِعُ


الصفحة التالية
Icon