بِالْبَيْعِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مِنْ بَائِعِهِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا أَوْ يَكُونُ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ فَإِذَا كَانَ عَنْ خِيَارٍ فَقَدْ وَجَبَ } وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا بَايَعَ الرَّجُلَ وَلَمْ يُخَيِّرْهُ وَأَرَادَ أَنْ لَا يُقِيلَهُ قَامَ فَمَشَى هُنَيْهَةً ثُمَّ رَجَعَ.
فَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ :" الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا " وَابْنُ عُمَرَ هُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ عَقَلَ مِنْ مُرَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُرْقَةَ الْأَبَدَانِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ فَلَا دَلَالَة فِيهِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ مَذْهَبِهِ لِأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ خَافَ أَنْ يَكُونَ بَائِعُهُ مِمَّنْ يَرَى الْخِيَارَ فِي الْمَجْلِسِ فَيُحْذَرُ مِنْهُ بِذَلِكَ حَذَرًا مِمَّا لَحِقَهُ فِي الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ، حَتَّى خُوصِمَ إلَى عُثْمَانَ فَحَمَلَهُ عَلَى خِلَافِ رَأْيِهِ وَلَمْ يُجِزْ الْبَرَاءَةَ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَهُ لِمُبْتَاعِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى مُوَافَقَتِهِ، وَهُوَ مَا رَوَى ابْنُ شِهَابٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :" مَا أَدْرَكَتْ الصَّفْقَةُ حَيًّا فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُبْتَاعِ "، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْمَبِيعَ كَانَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِالصَّفْقَةِ وَيَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَذَلِكَ يَنْفِي الْخِيَارَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا ﴾، وَفِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ :﴿ الْبَائِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا ﴾، فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ تَقْتَضِي حَالَ التَّبَايُعِ وَهِيَ حَالُ السَّوْمِ، فَإِذَا أَبْرَمَا الْبَيْعَ وَتَرَاضَيَا فَقَدْ وَقَعَ الْبَيْعُ، فَلَيْسَا مُتَبَايِعَيْنِ فِي هَذِهِ الْحَالِ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا أَنَّ الْمُتَضَارِبَيْنِ وَالْمُتَقَايِلِينَ إنَّمَا يَلْحَقُهُمَا هَذَا الِاسْمُ فِي حَالِ التَّضَارُبِ وَالتَّقَايُلِ، وَبَعْدَ انْقِضَاءِ الْفِعْلِ لَا يُسَمَّيَانِ بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا


الصفحة التالية
Icon