يُقَالُ كَانَا مُتَقَايِلَيْنِ وَمُتَضَارِبَيْنِ ؛ وَإِذَا كَانَتْ حَقِيقَةُ مَعْنَى اللَّفْظِ مَا وَصَفْنَا لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِدْلَال فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ بِهِ.
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا التَّأْوِيلُ يُودِي إلَى إسْقَاطِ فَائِدَةِ الْخَبَرِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُشْكِلٍ عَلَى أَحَدٍ أَنَّ الْمُتَسَاوِمَيْنِ قَبْلَ وُجُودِ التَّرَاضِي بِالْعَقْدِ هُمَا عَلَى خِيَارِهِمَا فِي إيقَاعِ الْعَقْدِ أَوْ تَرْكِهِ.
قِيلَ لَهُ : بَلْ فِيهِ أَعْظَمُ الْفَوَائِدِ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ جَائِزًا أَنْ يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا قَالَ لِلْمُشْتَرِي " قَدْ بِعْتُك " أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ رُجُوعٌ فِيهِ قَبْلَ قَبُولِ الْمُشْتَرِي، كَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَالْخُلْعِ عَلَى مَالٍ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَوْلَى وَلَا لِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ فِيهِ قَبْلَ قَبُولِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ ؛ فَأَبَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُكْمَ الْبَيْعِ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الرُّجُوعِ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ وَأَنَّهُ مُفَارِقٌ لِلْعِتْقِ وَالْخُلْعِ.
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى الْمُتَسَاوِمَانِ مُتَبَايِعَيْنِ قَبْلَ وُقُوعِ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا ؟ قِيلَ لَهُ : جَائِزٌ إذَا قَصَدَا إلَى الْبَيْعِ بِإِظْهَارِ السَّوْمِ فِيهِ كَمَا نُسَمِّي الْقَاصِدَيْنِ إلَى الْقَتْلِ مُتَقَاتِلَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُمَا قَتْلٌ بَعْدُ، وَكَمَا قِيلَ لِوَلَدِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمَأْمُورُ بِذَبْحِهِ : الذَّبِيحَ لِقُرْبِهِ مِنْ الذَّبْحِ وَإِنْ لَمْ يُذْبَحْ ؛ وَقَالَ تَعَالَى :﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ وَالْمَعْنَى فِيهِ مُقَارَبَةُ الْبُلُوغِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى :﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ﴾ وَأَرَادَ بِهِ حَقِيقَةَ الْبُلُوغِ.
فَجَائِزٌ عَلَى هَذَا أَنْ يُسَمَّى الْمُتَسَاوِمَانِ مُتَبَايِعَيْنِ إذَا قَصَدَا إيقَاعَ الْعَقْدِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي بَيَّنَّا، وَاَلَّذِي لَا يَخْتَلُّ عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُمَا بَعْدَ وُقُوعِ الْبَيْعِ مِنْهُمَا لَا يُسَمَّيَانِ