وَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِيَارٌ مَشْرُوطٌ فَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعًا، وَإِنْ لَمْ يَفْتَرِقَا بِأَبْدَانِهِمَا بَعْدَ حُصُولِ الِافْتِرَاقِ فِيهِمَا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ.
وَأَكْثَرُ أَحْوَالِ مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ :﴿ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا ﴾ احْتِمَالُهُ لِمَا وَصَفْنَا وَلِمَا قَالَ مُخَالِفُنَا ؛ وَغَيْرُ جَائِزٍ الِاعْتِرَاضُ عَلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ بِالِاحْتِمَالِ بَلْ الْوَاجِبُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى مُوَافَقَةِ الْقُرْآنِ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى مَا يُخَالِفُهُ.
وَيَدُلُّ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ عَلَى مَا وَصَفْنَا اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ وَالْخُلْعَ وَالْعِتْقَ عَلَى مَالٍ وَالصُّلْحَ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ إذَا تَعَاقَدَاهُ بَيْنَهُمَا صَحَّ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ يَثْبُتُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَالْمَعْنَى فِيهِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فِيمَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ مَشْرُوطٍ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ قَالَ عَطَاءٌ وَالسُّدِّيُّ :" لَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : هُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ﴾ وَمَعْنَاهُ : يَقْتُلُوا بَعْضَكُمْ.
وَتَقُولُ الْعَرَبُ : قُتِلْنَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، إذَا قُتِلَ بَعْضُهُمْ.
وَقِيلَ : إنَّمَا حَسُنَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ دِينٍ وَاحِدٍ فَهُمْ كَالنَّفْسِ الْوَاحِدَةِ، فَلِذَلِكَ قَالَ :﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ وَأَرَادَ قَتْلَ بَعْضِكُمْ بَعْضًا وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ إنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَالنَّفْسِ الْوَاحِدَةِ إذَا أَلِمَ بَعْضُهُ تَدَاعَى سَائِرُهُ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ وَقَالَ : الْمُؤْمِنُونَ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ﴾ فَكَانَ تَقْدِيرُهُ : وَلَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي أَكْلِ أَمْوَالِكُمْ بِالْبَاطِلِ وَلَا غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾.
وَيَحْتَمِلُ : وَلَا تَقْتُلُوا