أَنْفُسَكُمْ فِي طَلَبِ الْمَالِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَحْمِلَ نَفْسَهُ عَلَى الْغَرَرِ الْمُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ.
وَيَحْتَمِلُ : وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ فِي حَالِ غَضَبٍ أَوْ ضَجَرٍ.
وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَعَانِي كُلُّهَا مُرَادَةً لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهَا.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ﴾ فَإِنَّهُ قِيلَ فِيمَا عَادَ إلَيْهِ هَذَا الْوَعِيدُ وُجُوهُ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَقَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَيَسْتَحِقُّ الْوَعِيدَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْخَصْلَتَيْنِ.
وَقَالَ عَطَاءٌ :" فِي قَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ خَاصَّةً ".
وَقِيلَ : إنَّهُ عَائِدٌ عَلَى فِعْلِ كُلِّ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ.
وَقِيلَ : مِنْ عِنْدِ قَوْلِهِ :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ﴾ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مَقْرُونٌ بِالْوَعِيدِ، وَالْأَظْهَرُ عَوْدُهُ إلَى مَا يَلِيهِ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَقَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ.
وَقَيَّدَ الْوَعِيدَ بِقَوْلِهِ :﴿ عُدْوَانًا وَظُلْمًا ﴾ لِيَخْرُجَ مِنْهُ فِعْلُ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ وَمَا كَانَ طَرِيقَهُ الِاجْتِهَادُ فِي الْأَحْكَامِ إلَى حَدِّ التَّعَمُّدِ وَالْعِصْيَانِ.
وَذَكَرَ الظُّلْمَ وَالْعُدْوَانَ مَعَ تَقَارُبِ مَعَانِيهِمَا ؛ لِأَنَّهُ يَحْسُنُ مَعَ اخْتِلَافِ اللَّفْظِ، كَقَوْلِ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ : وَقَدَدْتُ الْأَدِيمَ لِرَاهِشِيهِ وَأَلْفَى قَوْلَهَا كَذِبًا وَمَيْنَا وَالْكَذِبُ هُوَ الْمَيْنُ ؛ وَحَسُنَ الْعَطْفُ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ.
وَكَقَوْلِ بِشْرِ بْنِ حَازِمٍ : فَمَا وَطِئَ الْحَصَى مِثْلُ ابْنِ سُعْدَى وَلَا لَبِسَ النِّعَالَ وَلَا احْتَذَاهَا وَالِاحْتِذَاءُ هُوَ لُبْسُ النَّعْلِ.
وَكَمَا تَقُولُ : بُعْدًا وَسُحْقًا، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَحَسُنَ لَاخْتِلَافِ اللَّفْظِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.


الصفحة التالية
Icon