وَقَوْلُهُ عَطْفًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ إبَاحَةِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ :﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ يَقْتَضِي حَقِيقَتَهُ وَظَاهِرُهُ إيجَابُ التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَرْبَعِ حَرَائِرَ وَأَرْبَعِ إمَاءَ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، فَيُوجِبُ ذَلِكَ تَخْيِيرَهُ بَيْنَ تَزْوِيجِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ كَلَامٌ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ بَلْ هُوَ مُضَمَّنٌ بِمَا قَبْلَهُ، وَفِيهِ ضَمِيرٌ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ، وَضَمِيرُهُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مُظْهَرًا فِي الْخِطَابِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ لَنَا إضْمَارُ مَعْنًى لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ إلَّا بِدَلَالَةٍ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نَجْعَلَ الضَّمِيرَ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ الْوَطْءَ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ : قَدْ أَبَحْت لَكُمْ وَطْءَ مِلْكِ الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ ذِكْرُ الْوَطْءِ وَإِنَّمَا الَّذِي فِي أَوَّلِ الْآيَةِ ذِكْرُ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ ﴾ لَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعَقْدُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى :﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ ضَمِيرَهُ، أَوْ فَانْكِحُوا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، وَذَلِكَ النِّكَاحُ هُوَ الْعَقْدُ، فَالضَّمِيرُ الرَّاجِعُ إلَيْهِ أَيْضًا هُوَ الْعَقْدُ دُونَ الْوَطْءِ.
فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا صَلُحَ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ اسْمًا لِلْوَطْءِ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ :﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ صَارَتْ كَقَوْلِهِ : فَانْكِحُوا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ الْوَطْءَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الْعَقْدَ فِي أَوَّلِ الْخِطَابِ.
قِيلَ لَهُ : لَا يَجُوزُ هَذَا ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ضَمِيرُهُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ بَدِيًّا فِي أَوَّلِ الْخِطَابِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِعَيْنِهِ وَمَعْنَاهُ الْمُرَادُ بِهِ ضَمِيرًا فِيهِ، فَإِذَا كَانَ النِّكَاحُ الْمَذْكُورُ هُوَ الْعَقْدُ فَكَأَنَّهُ قِيلَ : فَاعْقِدُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ فِيمَا طَابَ لَكُمْ، فَإِذَا أَضْمَرَهُ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ كَانَ