وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى :﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنَ وَمُجَاهِدًا وَأَبَا رَزِينٍ وَالشَّعْبِيَّ وَأَبَا مَالِكٍ وَإِسْمَاعِيلَ وَعِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ قَالُوا :" يَعْنِي لَا تَمِيلُوا عَنْ الْحَقِّ ".
وَرَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْغِفَارِيِّ :" ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا : أَنْ لَا تَمِيلُوا ".
وَأَنْشَدَ عِكْرِمَةُ شِعْرًا لِأَبِي طَالِبٍ : بِمِيزَانِ صِدْقٍ لَا يَخِسُّ شَعِيرَةً وَوِزَانِ قِسْطٍ وَزْنُهُ غَيْرُ عَائِلِ قَالَ : غَيْرُ مَائِلٍ.
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَصْلُ الْعَوْلِ الْمُجَاوَزَةُ لِلْحَدِّ، فَالْعَوْلُ فِي الْفَرِيضَةِ مُجَاوَزَةُ حَدِّ السِّهَامِ الْمُسَمَّاةِ، وَالْعَوْلُ الْمَيْلُ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْعَدْلِ لِخُرُوجِهِ عَنْ حَدِّ الْعَدْلِ، وَعَالَ يَعُولُ إذَا جَارَ، وَعَالَ يَعِيلُ إذَا تَبَخْتَرَ، وَعَالَ يَعِيلُ إذَا افْتَقَرَ، حَكَى لَنَا ذَلِكَ أَبُو عُمَرَ غُلَامُ ثَعْلَبٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ مَعْنَاهُ : أَنْ لَا يَكْثُرَ مَنْ تَعُولُونَ ؛ قَالَ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلَى الرَّجُلِ نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ.
وَقَدْ خَطَّأَهُ النَّاسُ فِي ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ السَّلَفِ وَكُلِّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ مَعْنَاهُ : أَنْ لَا تَمِيلُوا وَأَنْ لَا تَجُورُوا، وَأَنَّ هَذَا الْمَيْلَ هُوَ خِلَافُ الْعَدْلِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْقَسْمِ بَيْنَ النَّاسِ.
وَالثَّانِي : خَطَّأَهُ فِي اللُّغَةِ ؛ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي كَثْرَةِ الْعِيَالِ " عَالَ يَعُولُ " ذَكَرَهُ الْمُبَرِّدُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى : أَنْ لَا تَعُولُوا، قَالَ : أَنْ لَا تَجُورُوا، يُقَالُ : عِلْت عَلَيَّ أَيْ جُرْت.
وَالثَّالِثُ : أَنَّ فِي الْآيَةِ ذَكَرَ الْوَاحِدَةَ أَوْ مِلْكَ الْيَمِينِ، وَالْإِمَاءُ فِي الْعِيَالِ بِمَنْزِلَةِ النِّسَاءِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ مِنْ الْعَدَدِ مَنْ شَاءَ