الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ هُوَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ صَاحِبُهُ مَا يَقُولُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي السُّكْرِ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ " أَنَّهُ هُوَ الَّذِي لَا يَعْرِفُ فِيهِ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ " وَمَنْ لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وقَوْله تَعَالَى :﴿ حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾ يَدُلُّ عَلَى فَرْضِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْ الصَّلَاةِ لِأَجْلِ عَدَمِ إقَامَةِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا، فَلَوْلَا أَنَّهَا مِنْ أَرْكَانِهَا وَفُرُوضِهَا لَمَا مَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ لِأَجْلِهَا.
فَإِنْ قِيلَ : لَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾ قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهَا فِي الْحَالِ الَّتِي لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقِرَاءَةَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ نَفْيَ الْعِلْمِ بِمَا يَقُولُ، وَهَذَا عَلَى سَائِرِ الْأَقْوَالِ وَالْكَلَامِ، وَمَنْ صَارَ بِهَذِهِ الْحَالِ مِنْ السُّكْرِ لَمْ يَصِحَّ لَهُ إحْضَارُ نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَلَا فِعْلُ سَائِرِ أَرْكَانِهَا، فَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ الصَّلَاةِ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ مِنْهُ نِيَّةُ الصَّلَاةِ وَلَا سَائِرُ أَفْعَالِهَا، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُحْدِثٍ.
قِيلَ لَهُ : هَذَا عَلَى مَا ذَكَرْت فِي أَنَّ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ فِعْلُ الصَّلَاةِ عَلَى سَائِرِ شَرَائِطِهَا، إلَّا أَنَّ اخْتِصَاصَهُ الْقَوْلِ بِالذِّكْرِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أُمُورِ الصَّلَاةِ وَأَحْوَالِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ قَوْلٌ مَفْعُولٌ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ مَتَى كَانَ مِنْ السُّكْرِ عَلَى حَالٍ لَمْ يُمْكِنْهُ إقَامَةُ الْقِرَاءَةِ فِيهَا لَمْ يَصِحَّ لَهُ فِعْلُهَا لِأَجْلِ عَدَمِ الْقِرَاءَةِ، وَأَنَّ وُجُودَ الْقِرَاءَةِ فِيهَا مِنْ فُرُوضِهَا وَشَرَائِطِهَا، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ :﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ فِي إفَادَتِهِ أَنَّ فِي الصَّلَاةِ قِيَامًا مَفْرُوضًا، وَمِثْلُ قَوْلِهِ :﴿ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ فِي دَلَالَتِهِ


الصفحة التالية
Icon