وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ﴾ فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدْ تَنَازَعُوا تَأْوِيلَهُ، فَرَوَى الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زِرٍّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ :﴿ وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ ﴾ :" إلَّا أَنْ تَكُونُوا مُسَافِرِينَ وَلَا تَجِدُونَ مَا تَتَيَمَّمُونَ بِهِ وَتُصَلُّونَ ".
وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ :" هُوَ الْمَمَرُّ فِي الْمَسْجِدِ ".
وَرَوَى عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فِي آخَرِينَ مِنْ التَّابِعِينَ.
وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي مُرُورِ الْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ، فَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ :" كَانَ أَحَدُنَا يَمُرُّ فِي الْمَسْجِدِ مُجْتَازًا وَهُوَ جُنُبٌ ".
وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ :" كَانَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُصِيبُهُمْ الْجَنَابَةُ فَيَتَوَضَّئُونَ ثُمَّ يَأْتُونَ الْمَسْجِدَ فَيَتَحَدَّثُونَ فِيهِ ".
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ :" الْجُنُبُ لَا يَجْلِسُ فِي الْمَجْلِسِ وَيُجْتَازُ " وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ.
وَمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ فِيهِ مَا تَأَوَّلَهُ شَرِيكٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ :﴿ وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ ﴾ قَالَ :" الْجُنُبُ يَمُرُّ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَجْلِسُ "، وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ؛ وَيُقَالُ إنَّ أَحَدًا لَمْ يَرْفَعْهُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ غَيْرَ مَعْمَرٍ وَسَائِرُ النَّاسِ وَقَفُوهُ.
وَاخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ :" لَا يَدْخُلُهُ إلَّا طَاهِرًا سَوَاءٌ أَرَادَ الْقُعُودَ فِيهِ أَوْ الِاجْتِيَازَ "، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالثَّوْرِيِّ.