وقَوْله تَعَالَى :﴿ إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ﴾ فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْمُسَافِرَ ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ يُسَمَّى عَابِرَ سَبِيلٍ، وَلَوْلَا أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ ؛ لَمَا تَأَوَّلَهُ عَلَيْهِ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسِ ؛ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ تَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَى مَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ.
وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْمُسَافِرُ عَابِرَ سَبِيلٍ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ، كَمَا يُسَمَّى ابْنَ السَّبِيلِ ؛ فَأَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِي حَالِ السَّفَرِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا، فَدَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا : جَازَ التَّيَمُّمُ لِلْجُنُبِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَالصَّلَاةُ بِهِ، وَالثَّانِي : أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْجَنَابَةَ ؛ لِأَنَّهُ سَمَّاهُ جُنُبًا مَعَ كَوْنِهِ مُتَيَمِّمًا ؛ فَهَذَا التَّأْوِيلُ أَوْلَى مِنْ تَأْوِيلِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الِاجْتِيَازِ فِي الْمَسْجِدِ.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ﴾ غَايَةٌ لِإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْغَايَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ دَاخِلَةٌ فِي الْحَظْرِ إلَى أَنْ يَسْتَوْعِبَهَا بِوُجُودِ الِاغْتِسَالِ، وَأَنَّهُ لَا تَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ غُسْلِهِ شَيْءٌ فِي حَالِ وُجُودِ الْمَاءِ وَإِمْكَانِ اسْتِعْمَالِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يَخَافُهُ ؛ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْغَايَةَ قَدْ تَدْخُلُ فِي الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ؛ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ ﴾ وَالْغَايَةُ خَارِجَةٌ مِنْ الْجُمْلَةِ ؛ لِأَنَّهُ بِدُخُولِ أَوَّلِ اللَّيْلِ يَخْرُجُ مِنْ الصَّوْمِ ؛ لِأَنَّ " إلَى " غَايَةٌ كَمَا أَنَّ " حَتَّى " غَايَةٌ.
وَهَذَا أَصْلٌ فِي أَنَّ الْغَايَةَ قَدْ يَجُوزُ دُخُولُهَا فِي الْكَلَامِ تَارَةً وَخُرُوجُهَا أُخْرَى، وَحُكْمُهَا مَوْقُوفٌ عَلَى الدَّلَالَةِ فِي دُخُولِهَا أَوْ خُرُوجِهَا.
وَسَنَذْكُرُ أَحْكَامَ الْجَنَابَةِ وَمَعْنَاهَا وَحُكْمَ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ إذَا انْتَهَيْنَا إلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.


الصفحة التالية
Icon