الْأَكْلُ دُونَ مَا لَا يَتَأَتَّى ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا فِي الْمَهْرِ إذَا كَانَ شَيْئًا مَأْكُولًا، وَقَدْ عُقِلَ مِنْ مَفْهُومِ الْخِطَابِ أَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى الْمَأْكُولِ مِنْهُ دُونَ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ﴾ عَامٌّ فِي الْمُهُورِ كُلِّهِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الْمَأْكُولِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وقَوْله تَعَالَى :﴿ فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾ شَامِلٌ لِجَمِيعِ الصَّدَقَاتِ الْمَأْمُورِ بِإِيتَائِهَا.
فَدَلَّ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِلَفْظِ الْأَكْلِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ الْمَقْصِدَ فِيهِ جَوَازُ اسْتِبَاحَتِهِ بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهَا ؛ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا ﴾ وَقَالَ تَعَالَى :﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ وَهُوَ عُمُومٌ فِي النَّهْيِ عَنْ سَائِرِ وُجُوهِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ الدُّيُونِ وَالْأَعْيَانِ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ، وَشَامِلٌ لِلنَّهْيِ فِي أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ إلَّا عَلَى وَجْهِ التِّجَارَةِ عَنْ تَرَاضٍ، وَلَيْسَ الْمَأْكُولُ بِأَوْلَى بِمَعْنَى الْآيَةِ مِنْ غَيْرِهِ.
وَإِنَّمَا خُصَّ الْأَكْلُ بِالذِّكْرِ ؛ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ مَا يُبْتَغَى لَهُ الْأَمْوَالُ، إذْ بِهِ قِوَامُ بَدَنِ الْإِنْسَانِ، وَفِي ذِكْرِهِ لِلْأَكْلِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا دُونَهُ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾ فَخُصَّ الْبَيْعُ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ مَا عَدَاهُ مِنْ سَائِرِ مَا يَشْغَلُهُ عَنْ الصَّلَاةِ بِمَثَابَتِهِ فِي النَّهْيِ ؛ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْبَيْعِ مِنْ أَعْظَمِ أُمُورِهِمْ فِي السَّعْيِ فِي طَلَبِ مَعَايِشِهِمْ، فَعُقِلَ مِنْ ذَلِكَ إرَادَةُ مَا هُوَ دُونَهُ وَأَنَّهُ أَوْلَى بِالنَّهْيِ ؛ إذْ قَدْ نَهَاهُمْ عَمَّا هُمْ إلَيْهِ أَحْوَجُ وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ أَشَدُّ.
وَكَمَا قَالَ تَعَالَى :﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ﴾ فَخُصَّ اللَّحْمُ بِذِكْرِ التَّحْرِيمِ