قَوْله تَعَالَى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوْ انْفِرُوا جَمِيعًا ﴾ قِيلَ : الثُّبَاتُ الْجَمَاعَاتُ، وَاحِدُهَا ثُبَةٌ.
وَقِيلَ : الثُّبَةُ عُصْبَةٌ مُنْفَرِدَةٌ مِنْ عُصَبٍ.
فَأَمَرَهُمْ اللَّهُ بِأَنْ يَنْفِرُوا فِرَقًا فِرْقَةً بَعْدَ فِرْقَةٍ، فِرْقَةٌ فِي جِهَةٍ وَفِرْقَةٌ فِي جِهَةٍ، أَوْ يَنْفِرُوا جَمِيعًا مِنْ غَيْرِ تَفَرُّقٍ ؛ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَقَتَادَةَ.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ خُذُوا حِذْرَكُمْ ﴾ مَعْنَاهُ : خُذُوا سِلَاحَكُمْ، فَسَمَّى السِّلَاحَ حِذْرًا ؛ لِأَنَّهُ يُتَّقَى بِهِ الْحَذَرُ ؛ وَيَحْتَمِلُ : احْذَرُوا عَدُوَّكُمْ بِأَخْذِ سِلَاحِكُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ﴾ فَانْتَظَمَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْأَمْرَ بِأَخْذِ السِّلَاحِ لِقِتَالِ الْعَدُوِّ عَلَى حَالِ افْتِرَاقِ الْعُصَبِ أَوْ اجْتِمَاعِهَا بِمَا هُوَ أَوْلَى فِي التَّدْبِيرِ.
وَالنُّفُورُ هُوَ الْفَزَعُ، نَفَرَ يَنْفِرُ نُفُورًا إذَا فَزِعَ، وَنَفَرَ إلَيْهِ إذَا فَزِعَ مِنْ أَمْرٍ إلَيْهِ ؛ وَالْمَعْنَى : انْفِرُوا إلَى قِتَالِ عَدُوِّكُمْ ؛ وَالنَّفَرُ جَمَاعَةٌ تَفْزَعُ إلَى مِثْلِهَا، وَالنَّفِيرُ إلَى قِتَالِ الْعَدُوِّ، وَالْمُنَافَرَةُ : الْمُحَاكَمَةُ لِلْفَزَعِ إلَيْهَا فِيمَا يَنُوبُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يُخْتَلَفُ فِيهَا ؛ وَيُقَالُ إنَّ أَصْلَهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَ الْحَاكِمَ : أَيُّنَا أَعَزُّ نَفَرًا ؟.
وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ نَسْخٌ ؛ رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ وَعُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوْ انْفِرُوا جَمِيعًا ﴾ قَالَ :" عُصَبًا وَفِرَقًا ".
وَقَالَ فِي بَرَاءَةٍ :﴿ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا ﴾ الْآيَةَ، وَقَالَ :﴿ إلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ الْآيَةَ.
قَالَ : فَنَسَخَ هَذِهِ الْآيَاتِ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ ﴾ وَتَمْكُثُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْمَاكِثُونَ مَعَ


الصفحة التالية
Icon