أَصْحَابُنَا عَلَى أَهْلِ دِيوَانِهِ دُونَ أَقْرِبَائِهِ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ نُصْرَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَتَنَاصَرُونَ عَلَى الْقِتَالِ وَالْحِمَايَةِ وَالذَّبِّ عَنْ الْحَرِيمِ ؟ فَلَمَّا كَانُوا مُتَنَاصِرِينَ فِي الْقِتَالِ وَالْحِمَايَةِ أُمِرُوا بِالتَّنَاصُرِ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى تَحَمُّلِ الدِّيَةِ لِيَتَسَاوَوْا فِي حَمْلِهَا كَمَا تُسَاوَوْا فِي حِمَايَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا عِنْدَ الْقِتَالِ.
وَالثَّالِثُ : أَنَّ فِي إيجَابِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ زَوَالُ الضَّغِينَةِ وَالْعَدَاوَةِ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ إذَا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهُوَ دَاعٍ إلَى الْأُلْفَةِ وَصَلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلَيْنِ لَوْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ فَتَحَمَّلَ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ مَا قَدْ لَحِقَهُ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى زَوَالِ الْعَدَاوَةِ وَإِلَى الْأُلْفَةِ وَصَلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ ؟ كَمَا لَوْ قَصَدَهُ إنْسَانٌ بِضَرَرٍ فَعَاوَنَهُ وَحَمَاهُ عَنْهُ انْسَلَّتْ سَخِيمَةُ قَلْبِهِ وَعَادَ إلَى سَلَامَةِ الصَّدْرِ وَالْمُوَالَاةِ وَالنُّصْرَةِ.
وَالرَّابِعُ : أَنَّهُ إذَا تَحَمَّلَ عَنْهُ جِنَايَتَهُ حَمَلَ عَنْهُ الْقَاتِلُ إذَا جَنَى أَيْضًا، فَلَمْ يَذْهَبْ حَمْلُهُ لِلْجِنَايَةِ عَنْهُ ضَيَاعًا بَلْ كَانَ لَهُ أَثَرٌ مَحْمُودٌ يُسْتَحَقُّ مِثْلُهُ عَلَيْهِ إذَا وَقَعَتْ مِنْهُ جِنَايَةٌ.
فَهَذِهِ وُجُوهٌ كُلُّهَا مُسْتَحْسَنَةٌ فِي الْعُقُولِ غَيْرُ مَدْفُوعَةٍ، وَإِنَّمَا يُؤْتَى الْمُلْحِدُ الْمُتَعَلِّقُ بِمِثْلِهِ مِنْ ضِيقِ عَقْلِهِ وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ وَإِعْرَاضِهِ عَنْ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ ؛ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى حُسْنِ هِدَايَتِهِ وَتَوْفِيقِهِ.


الصفحة التالية
Icon