وَقَدْ رَوَى أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا شِبْهُ الْعَمْدِ ﴾.
وَإِثْبَاتُ شِبْهِ الْعَمْدِ ضَرْبٌ مِنْ الْقَتْلِ دُونَ الْخَطَإِ فِيهِ اتِّفَاقُ السَّلَفِ عِنْدَنَا لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيهِ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي كَيْفِيَّةِ شِبْهِ الْعَمْدِ ؛ فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ مَالِكٌ :" لَا أَعْرِفُ إلَّا خَطَأً أَوْ عَمْدًا " فَإِنَّ هَذَا قَوْلٌ خَارِجٌ عَنْ أَقَاوِيلِ السَّلَفِ كُلِّهِمْ.
وَرَوَى شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ :" شِبْهُ الْعَمْدِ بِالْعَصَا وَالْحَجَرِ الثَّقِيلِ وَلَيْسَ فِيهِمَا قَوَدٌ ".
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ :" يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ فَيَضْرِبُ أَخَاهُ بِمِثْلِ آكِلَةِ اللَّحْمِ وَهِيَ الْعَصَا ثُمَّ يَقُولُ لَا قَوَدَ عَلَيَّ لَا أُوتَى بِأَحَدٍ فَعَلَ ذَلِكَ إلَّا أَقَدْته "، فَكَانَ هَذَا عِنْدَهُ مِنْ الْعَمْدِ ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ يُقْتَلُ فِي الْغَالِبِ عَلَى مَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى شِبْهِ الْعَمْدِ وَأَنَّهُ قِسْمٌ ثَالِثٌ لَيْسَ بِعَمْدٍ مَحْضٍ وَلَا خَطَأٍ مَحْضٍ اخْتِلَافُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَسْنَانِ الْإِبِلِ فِي الْخَطَإِ، ثُمَّ اخْتِلَافُهُمْ فِي أَسْنَانِ شِبْهِ الْعَمْدِ وَأَنَّهَا أَغْلَظُ مِنْ الْخَطَإِ ؛ مِنْهُمْ عَلِيٌّ وَعُمَرُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو مُوسَى وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، كُلُّ هَؤُلَاءِ أَثْبَتَ أَسْنَانَ الْإِبِلِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ أَغْلَظُ مِنْهَا فِي الْخَطَإِ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ؛ فَثَبَتَ بِذَلِكَ شِبْهُ الْعَمْدِ.
وَلَمَّا ثَبَتَ شِبْهُ الْعَمْدِ بِمَا قَدَّمْنَا مِنْ الْآثَارِ وَاتِّفَاقِ السَّلَفِ بَعْدَ اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي كَيْفِيَّتِهِ، احْتَجْنَا أَنَّ نَعْتَبِرَ شِبْهَ الْعَمْدِ، فَوَجَدْنَا عَلِيًّا قَالَ :" شِبْهُ الْعَمْدِ بِالْعَصَا وَالْحَجَرِ


الصفحة التالية
Icon