وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا تَأْكُلُوهَا إسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا ﴾ فَإِنَّ السَّرَفَ مُجَاوَزَةُ حَدِّ الْمُبَاحِ إلَى الْمَحْظُورِ، فَتَارَةً يَكُونُ السَّرَفُ فِي التَّقْصِيرِ وَتَارَةً فِي الْإِفْرَاطِ لِمُجَاوَزَةِ حَدِّ الْجَائِزِ فِي الْحَالَيْنِ.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَبِدَارًا ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ :" مُبَادَرَةً " وَالْمُبَادَرَةُ الْإِسْرَاعُ فِي الشَّيْءِ، فَتَقْدِيرُهُ النَّهْيُ عَنْ أَكْلِ أَمْوَالِهِمْ مُبَادَرَةً أَنْ يَكْبَرُوا فَيُطَالِبُوا بِأَمْوَالِهِمْ.
وَفِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا صَارَ فِي حَدِّ الْكِبَرِ اسْتَحَقَّ الْمَالَ إذَا كَانَ عَاقِلًا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ إينَاسِ الرُّشْدِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِطَ إينَاسُ الرُّشْدِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَلَا تَأْكُلُوهَا إسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا ﴾ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إمْسَاكُ مَالِهِ بَعْدَمَا يَصِيرُ فِي حَدِّ الْكِبَرِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا كَانَ لِذِكْرِ الْكِبَرِ هَهُنَا مَعْنًى ؛ إذْ كَانَ الْوَالِي عَلَيْهِ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِمَالِهِ قَبْلَ الْكِبَرِ وَبَعْدَهُ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا صَارَ فِي حَدِّ الْكِبَرِ اسْتَحَقَّ دَفْعَ الْمَالِ إلَيْهِ.
وَجَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ حَدَّ الْكِبَرِ فِي ذَلِكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ يَكُونُ جَدًّا، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ جَدًّا وَلَا يَكُونُ فِي حَدِّ الْكِبَارِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.