مَفْرُوضًا } وَلَمْ يَكُنْ لِذَوِي الْأَرْحَامِ نَصِيبٌ مَفْرُوضٌ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي مُرَادِ الْآيَةِ.
قِيلَ لَهُ : مَا ذَكَرْت لَا يُخْرِجُهُمْ مِنْ حُكْمِهَا وَكَوْنِهِمْ مُرَادِينَ بِهَا ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَجِبُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَ مُوجِبِي مَوَارِيثِهِمْ هُوَ نَصِيبٌ مَفْرُوضٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَهُوَ مَعْلُومٌ مُقَدَّرٌ كَأَنْصِبَاءِ ذَوِي السِّهَامِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ؛ وَإِنَّمَا أَبَانَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ نَصِيبًا مَفْرُوضًا غَيْرَ مَذْكُورِ الْمِقْدَارِ فِي الْآيَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُؤْذِنٌ بِبَيَانٍ وَتَقْدِيرٍ مَعْلُومٍ لَهُ يَرِدُ فِي التَّالِي فَكَمَا وَرَدَ الْبَيَانُ فِي نَصِيبِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ وَذَوِي السِّهَامِ بَعْضُهَا بِنَصِّ التَّنْزِيلِ وَبَعْضُهَا بِنَصِّ السُّنَّةِ وَبَعْضُهَا بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَبَعْضُهَا بِالْقِيَاسِ وَالنَّظَرِ ؛ كَذَلِكَ قَدْ وَرَدَ بَيَانُ أَنْصِبَاءِ ذَوِي الْأَرْحَامِ بَعْضُهَا بِالسُّنَّةِ وَبَعْضُهَا بِدَلِيلِ الْكِتَابِ وَبَعْضُهَا بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ مِنْ حَيْثُ أَوْجَبَتْ الْآيَةُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ أَنْصِبَاءَ، فَلَمْ يَجُزْ إسْقَاطُ عُمُومِهَا فِيهِمْ وَوَجَبَ تَوْرِيثُهُمْ بِهَا.
ثُمَّ إذَا اسْتَحَقُّوا الْمِيرَاثَ بِهَا كَانَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ النَّصِيبِ الْمَفْرُوضِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْقَائِلُونَ بِتَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ فِيهِمْ، فَهُمْ وَإِنْ كَانُوا مُخْتَلِفِينَ فِي بَعْضِهَا فَقَدْ اتَّفَقُوا فِي الْبَعْضِ، وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ لَمْ يَخْلُ مِنْ دَلِيلٍ لِلَّهِ تَعَالَى يَدُلُّ عَلَى حُكْمٍ فِيهِ.
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ وَابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى سَبَبٍ، وَهُوَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُوَرِّثُونَ الذُّكُورَ دُونَ الْإِنَاثِ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ، وَقَالَ غَيْرُهُمَا : إنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ لَا تُوَرِّثُ إلَّا مَنْ طَاعَنَ بِالرُّمْحِ وَذَادَ عَنْ الْحَرِيمِ وَالْمَالِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ إبْطَالًا لِحُكْمِهِمْ، فَلَا يَصِحُّ اعْتِبَارُ عُمُومِهَا فِي غَيْرِ مَا وَرَدَتْ


الصفحة التالية
Icon