وقَوْله تَعَالَى :﴿ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ﴾ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ : مَعْلُومًا مُقَدَّرًا.
وَيُقَالُ إنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ الْحَزُّ فِي الْقِدَاحِ عَلَامَةً لَهَا يُمَيَّزُ بَيْنَهَا، وَالْفُرْضَةُ الْعَلَامَةُ فِي قَسْمِ الْمَاءِ يَعْرِفُ بِهَا كُلُّ ذِي حَقٍّ نَصِيبَهُ مِنْ الشُّرْبِ ؛ فَإِذَا كَانَ أَصْلُ الْفَرْضِ هَذَا ثُمَّ نُقِلَ إلَى الْمَقَادِيرِ الْمَعْلُومَةِ فِي الشَّرْعِ أَوْ إلَى الْأُمُورِ الثَّابِتَةِ اللَّازِمَةِ.
وَقَدْ قِيلَ : إنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ الثُّبُوتُ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْحَزُّ الَّذِي فِي سِيَةِ الْقَوْسِ فَرْضًا لِثُبُوتِهِ ؛ وَالْفَرْضُ فِي الشَّرْعِ يَنْقَسِمُ إلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ، فَمَتَى أُرِيدَ بِهِ الْوُجُوبُ كَانَ الْمَفْرُوضُ فِي أَعْلَى مَرَاتِبِ الْإِيجَابِ.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ فِي الشَّرْعِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ مَفْرُوضٍ وَاجِبًا مِنْ حَيْثُ كَانَ الْفَرْضُ يَقْتَضِي فَارِضًا وَمُوجِبًا لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَاجِبُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجِبُ مِنْ غَيْرِ إيجَابِ مُوجِبٍ لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يُقَالَ : إنَّ ثَوَابَ الْمُطِيعِينَ وَاجِبٌ عَلَى اللَّهِ فِي حِكْمَتِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْهِ ؟ ؛ إذْ كَانَ الْفَرْضُ يَقْتَضِي فَارِضًا، وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا فِي الْحِكْمَةِ غَيْرَ مُقْتَضٍ مُوجِبًا.
وَأَصْلُ الْوُجُوبِ فِي اللُّغَةِ هُوَ السُّقُوطُ، يُقَالُ : وَجَبَتْ الشَّمْسُ إذَا سَقَطَتْ، وَوَجَبَ الْحَائِطُ إذَا سَقَطَ، وَسَمِعْت وَجْبَةً يَعْنِي سَقْطَةً، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ﴾ يَعْنِي سَقَطَتْ ؛ فَالْفَرْضُ فِي أَصْلِ اللُّغَة أَشَدُّ تَأْثِيرًا مِنْ الْوَاجِبِ، وَكَذَلِكَ حُكْمُهُمَا فِي الشَّرْعِ ؛ إذْ كَانَ الْحَزُّ الْوَاقِعُ ثَابِتَ الْأَثَرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوُجُوبُ.


الصفحة التالية
Icon