لِأَنَّهُ قَالَ :﴿ إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ﴾ وَ " إلَى " غَايَةٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ لَا يَتَّصِلُ بِغَسَقِ اللَّيْلِ ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا وَقْتُ الْعَصْرِ، فَالْأَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالدُّلُوكِ هَهُنَا هُوَ الْغُرُوبُ وَغَسَقُ اللَّيْلِ هَهُنَا هُوَ اجْتِمَاعُ الظُّلْمَةِ ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ يَتَّصِلُ بِغَسَقِ اللَّيْلِ وَيَكُونُ نِهَايَةً لَهُ ؛ وَاحْتِمَالُ الزَّوَالِ مَعَ ذَلِكَ قَائِمٌ ؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقْتُ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ وَهِيَ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ، فَيُفِيدُ ذَلِكَ أَنَّ مِنْ وَقْتِ الزَّوَالِ إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ لَا يَنْفَكُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَقْتًا لِصَلَاةٍ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْعَتَمَةُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ قَدْ تَدْخُلُ فِي الْحُكْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ ﴾ وَالْمَرَافِقُ دَاخِلَةٌ فِيهَا، وَقَوْلِهِ :﴿ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ﴾ وَالْغُسْلُ دَاخِلٌ فِي شَرْطِ الْإِبَاحَةِ ؛ فَإِنْ حُمِلَ الْمَعْنَى عَلَى الزَّوَالِ انْتَظَمَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ.
ثُمَّ قَالَ :﴿ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ﴾ وَهُوَ صَلَاةُ الْفَجْرِ، فَتَنْتَظِمُ الْآيَةُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ؛ وَهَذَا مَعْنًى قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ إفْرَادُهُ صَلَاةَ الْفَجْرِ بِالذِّكْرِ ؛ إذْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَقْتٌ لَيْسَ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ، فَأَبَانَ تَعَالَى أَنَّ مِنْ وَقْتِ الزَّوَالِ إلَى وَقْتِ الْعَتَمَةِ وَقْتًا لِصَلَوَاتٍ مَفْعُولَةٍ فِيهِ، وَأَفْرَدَ الْفَجْرَ بِالذِّكْرِ ؛ إذْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الظُّهْرِ فَاصِلَةُ وَقْتٍ لَيْسَ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ.
فَهَذِهِ الْآيَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا بَيَانَ وَقْتِ صَلَاتَيْنِ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالدُّلُوكِ الْغُرُوبَ وَهُوَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ﴾، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا الظُّهْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْفَجْرَ