السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَفِي خَبَرٍ آخَرَ : كَمَا بَيْنَ هَذِهِ وَهَذِهِ }، فَأَخْبَرَ فِيهِ أَنَّ الَّذِي بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ الدُّنْيَا كَنُقْصَانِ السَّبَّابَةِ عَنْ الْوُسْطَى، وَقَدْ قُدِّرَ ذَلِكَ بِنِصْفِ السَّبْعِ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ حِينَ شَبَّهَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَجَلَنَا فِي أَجَلِ مَنْ مَضَى قَبْلَنَا بِوَقْتِ الْعَصْرِ فِي قِصَرِ مُدَّتِهِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ بَعْدَ الْمِثْلَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ مِنْ دَلَالَةِ الْخَبَرِ : الْمَثَلُ الَّذِي ضَرَبَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَنَا وَلِأَهْلِ الْكِتَابَيْنِ بِالْعَمَلِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ، وَأَنَّهُمْ غَضِبُوا فَقَالُوا : كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقَلَّ عَطَاءً ؛ فَلَوْ كَانَ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الْمِثْلِ لَمَا كَانَتْ النَّصَارَى أَكْثَرَ عَمَلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ كَانَ يَكُونُ الْمُسْلِمُونَ أَكْثَرَ عَمَلًا ؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَ الْمِثْلِ إلَى الْغُرُوبِ أَكْثَرُ مِمَّا بَيْنَ الزَّوَالِ إلَى الْمِثْلِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ أَقْصَرُ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ.
فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا أَرَادَ أَنَّ وَقْتَيْ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا أَطْوَلُ مِنْ وَقْتِ الْمُسْلِمِينَ.
قِيلَ لَهُ : هَذَا غَلَطٌ ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ بِذَلِكَ عَلَى حِيَالِهِ دُونَ الْإِخْبَارِ عَنْهُمَا مَجْمُوعَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا : كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقَلَّ عَطَاءً ؟ وَلَيْسَا بِمَجْمُوعِهِمَا أَقَلَّ عَطَاءً ؛ لِأَنَّ عَطَاءَهُمَا جَمِيعًا هُوَ مِثْلُ عَطَاءِ الْمُسْلِمِينَ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عُرْوَةَ عَنْ بَشِيرِ بْن أَبِي مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، فَقَالَ : قُمْ فَصَلِّ الظُّهْرَ ﴾ فَأَخْبَرَ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَاهُ بَعْدَ الْمِثْلِ فَأَمْرِهِ بِفِعْلِ الظُّهْرِ ؛ فَلَوْ كَانَ مَا بَعْدَ الْمِثْلِ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ لَكَانَ قَدْ أَخَّرَ


الصفحة التالية
Icon