وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ مُنْفَرِدَةٌ بِوَقْتِهَا.
فَإِنْ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ﴾ وَأَنَّ الدُّلُوكَ هُوَ الزَّوَالُ، وَجُعِلَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَقْتًا لِلظُّهْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي غَسَقِ اللَّيْلِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُ الْغُرُوبُ.
قِيلَ لَهُ : ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي إبَاحَةَ فِعْلِ هَذِهِ الصَّلَاةِ مِنْ وَقْتِ الزَّوَالِ إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ، وَقَدْ اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُرَادٍ وَأَنَّهُ غَيْرُ مُخَيَّرٍ فِي فِعْلِ الظُّهْرِ مِنْ وَقْتِ الزَّوَالِ إلَى اللَّيْلِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ صَلَاةٌ أُخْرَى يَفْعَلُهَا وَهِيَ إمَّا الْعَصْرُ وَإِمَّا الْمَغْرِبُ، وَالْمَغْرِبُ أَشْبَهُ بِمَعْنَى الْآيَةِ لِاتِّصَالِ وَقْتِهَا بِغَسَقِ اللَّيْلِ الَّذِي هُوَ اجْتِمَاعُ الظُّلْمَةِ ؛ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْآيَةِ : أَقِمْ الصَّلَاةَ لِزَوَالِ الشَّمْسِ، وَأَقِمْهَا أَيْضًا إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ؛ وَهِيَ صَلَاةٌ أُخْرَى غَيْرُ الْأُولَى، فَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَقَدْ وَافَقَ الشَّافِعِيُّ مَالِكًا فِي هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَقُولُ :" مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَزِمَتْهُ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ إذَا طَهُرَتْ وَالصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ " ؛ وَذَهَبَ إلَى أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ اخْتِيَارٍ فَهُوَ وَقْتُ الضَّرُورَةِ وَالْعُذْرِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى أَصْلِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ وَالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ بِأَنْ يُؤَخِّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ أَوْ يُعَجِّلَ الْعَصْرَ فَيُصَلِّيَهَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ مَعَهَا، فَجَعَلَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقْتًا لَهُمَا فِي حَالِ الْعُذْرِ وَالضَّرُورَةِ.
فَإِنْ كَانَ هَذَا اعْتِبَارًا صَحِيحًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ فِي الْمَرْأَةِ إذَا حَاضَتْ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ أَنْ تَلْزَمَهَا صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ جَمِيعًا، كَمَا أَنَّهَا إذَا طَهُرَتْ فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ