قَوْله تَعَالَى :﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ ﴾ الْآيَةَ.
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : النَّجْوَى هُوَ الْإِسْرَارُ ؛ فَأَبَانَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِمَّا يَتَسَارُّونَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَمْرًا بِصَدَقَةٍ أَوْ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ أَوْ إصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ، وَكُلُّ أَعْمَالِ الْبِرِّ مَعْرُوفٌ لِاعْتِرَافِ الْعُقُولِ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْعُقُولَ تَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ مِنْ جِهَةِ إقْرَارِهَا بِهِ وَالْتِزَامِهَا لَهُ وَتُنْكِرُ الْبَاطِلَ مِنْ جِهَةِ زَجْرِهَا عَنْهُ وَتَبَرِّيهَا مِنْهُ.
وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى سَمَّى أَعْمَالَ الْبِرِّ مَعْرُوفًا، وَهُوَ أَنَّ أَهْلَ الْفَضْلِ وَالدِّينِ يَعْرِفُونَ الْخَيْرَ لِمُلَابَسَتِهِمْ إيَّاهُ وَعِلْمِهِمْ بِهِ وَلَا يَعْرِفُونَ الشَّرَّ بِمِثْلِ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْخَيْرِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُلَابِسُونَهُ وَلَا يَعْلَمُونَ بِهِ، فَسَمَّى أَعْمَالَ الْبِرِّ مَعْرُوفًا وَالشَّرَّ مُنْكَرًا.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بِكَارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ أَبُو الْخَلِيلِ عَنْ عُبَيْدَةَ الْهُجَيْمِيِّ قَالَ : قَالَ أَبُو جُرَيٍّ جَابِرُ بْنُ سُلَيْمٍ { : رَكِبْت قَعُودِي، ثُمَّ انْطَلَقْت إلَى مَكَّةَ فَأَنَخْت قَعُودِي بِبَابِ الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ عَلَيْهِ بُرْدَانِ مِنْ صُوفٍ فِيهِمَا طَرَائِقُ حُمْرٌ، فَقُلْت : السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ : وَعَلَيْك السَّلَامُ قُلْت : إنَّا مَعْشَرَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فِينَا الْجَفَاءُ فَعَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا فَقَالَ : اُدْنُ ثَلَاثًا فَدَنَوْت فَقَالَ : أَعِدْ عَلَيَّ فَأَعَدْت عَلَيْهِ، فَقَالَ : اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاك بِوَجْهٍ مُنْبَسِطٍ وَأَنْ تُفْرِغَ مِنْ فَضْلِ دَلْوِك فِي إنَاءِ الْمُسْتَسْقِي، وَإِنْ امْرُؤٌ سَبَّكَ بِمَا يَعْلَمُ مِنْك فَلَا تَسُبَّهُ بِمَا تَعْلَمُ مِنْهُ فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَكَ أَجْرًا وَعَلَيْهِ وِزْرًا، وَلَا


الصفحة التالية
Icon