وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ } لِأَنَّ شَهَادَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ هُوَ إقْرَارُهُ بِمَا عَلَيْهِ لِخَصْمِهِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ إقْرَارِ الْمُقِرِّ عَلَى نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ وَأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يُقِرَّ إذَا طَالَبَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ فِيهِ أَمْرٌ بِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَدَلَّ عَلَى جَوَازِ شَهَادَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى وَالِدَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ أَقْرِبَائِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ وَالْأَجْنبِيِّينَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَنْزِلَةٍ، وَإِنْ كَانَ الْوَالِدَانِ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِمَا أَوْلَادُهُمَا رُبَّمَا أَوْجَبَ ذَلِكَ حَبْسُهُمَا، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعُقُوقٍ وَلَا يَجِبُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِمَا لِكَرَاهَتِهِمَا لِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَنْعٌ لَهُمَا مِنْ الظُّلْمِ وَهُوَ نُصْرَةٌ لَهُمَا كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ اُنْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا ؟ قَالَ : تَرُدُّهُ عَنْ الظُّلْمِ فَذَلِكَ نَصْرٌ مِنْك إيَّاهُ ﴾، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ لَا طَاعَةَ لَمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ ﴾.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ طَاعَةُ الْأَبَوَيْنِ فِيمَا يَحِلُّ وَيَجُوزُ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُطِيعَهُمَا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَهُ بِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِمَا مَعَ كَرَاهَتِهِمَا لِذَلِكَ.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاَللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا ﴾ أَمْرٌ لَنَا بِأَنْ لَا نَنْظُرَ إلَى فَقْرِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إشْفَاقًا مِنَّا عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَوْلَى بِحُسْنِ النَّظَرِ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ وَأَعْلَمُ بِمَصَالِحِ الْجَمِيعِ، فَعَلَيْكُمْ إقَامَةَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ بِمَا عِنْدَكُمْ.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا ﴾ يَعْنِي لَا تَتْرُكُوا الْعَدْلَ اتِّبَاعًا لِلْهَوَى


الصفحة التالية
Icon