بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ }، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّهُ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ﴾، وَقَالَ تَعَالَى :﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ ﴾، وَقَالَ :﴿ إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ﴾ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ بِضَمَائِرِهِنَّ وَاعْتِقَادِهِنَّ، وَإِنَّمَا أَرَادَ مَا ظَهَرَ مِنْ إيمَانِهِنَّ بِالْقَوْلِ وَجَعَلَ ذَلِكَ عِلْمًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالضَّمِيرِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِمَا يَظْهَرُ مِنْ الْقَوْلِ، وَقَالَ تَعَالَى :﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إلَيْكُمْ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ﴾ وَذَلِكَ عُمُومٌ فِي جَمِيعِ الْكُفَّارِ ؛ ﴿ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حِينَ قَتَلَ الرَّجُلَ الَّذِي قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَقَالَ : إنَّمَا قَالَهَا مُتَعَوِّذًا، قَالَ : هَلَّا شَقَقْت عَنْ قَلْبِهِ ﴾.
وَرَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، أَنَّهُ أَتَى عَبْدَ اللَّهِ فَقَالَ : مَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْعَرَبِ إحْنَةٌ، وَإِنِّي مَرَرْت بِمَسْجِدِ بَنِي حَنِيفَةَ فَإِذَا هُمْ يُؤْمِنُونَ بِمُسَيْلِمَةَ ؛ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ، فَجَاءَ بِهِمْ وَاسْتَتَابَهُمْ، غَيْرَ ابْنِ النَّوَّاحَةِ قَالَ لَهُ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :﴿ لَوْلَا أَنَّك رَسُولٌ لَضَرَبْت عُنُقَك ﴾ فَأَنْتَ الْيَوْمَ لَسْت بِرَسُولٍ، أَيْنَ مَا كُنْت تُظْهِرُ مِنْ الْإِسْلَامِ ؟ قَالَ : كُنْت أَتَّقِيكُمْ بِهِ ؛ فَأَمَرَ بِهِ قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ فَضَرَبَ عُنُقَهُ بِالسُّوقِ، ثُمَّ قَالَ : مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ابْنِ النَّوَّاحَةِ قَتِيلًا بِالسُّوقِ.
فَهَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ تَوْبَةَ الزِّنْدِيقِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْتَتَابَ الْقَوْمَ وَقَدْ كَانُوا مُظْهِرِينَ لِكُفْرِهِمْ، وَأَمَّا ابْنُ النَّوَّاحَةِ فَلَمْ يَسْتَتِبْهُ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ مُسِرًّا لِلْكُفْرِ مُظْهِرًا


الصفحة التالية
Icon