قَوْله تَعَالَى :﴿ بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ قِيلَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ أَنَّهُمْ اتَّخَذُوهُمْ أَنْصَارًا وَأَعْضَادًا لِتَوَهُّمِهِمْ أَنَّ لَهُمْ الْقُوَّةَ وَالْمَنَعَةَ بِعَدَاوَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ بِالْمُخَالَفَةِ جَهْلًا مِنْهُمْ بِدِينِ اللَّهِ ؛ وَهَذَا مِنْ صِفَةِ الْمُنَافِقِينَ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِلْمُؤْمِنِينَ الِاسْتِنْصَارُ بِالْكُفَّارِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ ؛ إذْ كَانُوا مَتَى غَلَبُوا كَانَ حُكْمُ الْكُفْرِ هُوَ الْغَالِبُ ؛ وَبِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا.
وَقَوْلُهُ :﴿ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ ﴾ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الِاعْتِبَارِ، وَأَنَّ الِاسْتِعَانَةَ بِالْكُفَّارِ لَا تَجُوزُ، إذْ كَانُوا مَتَى غَلَبُوا كَانَ الْغَلَبَةُ وَالظُّهُورُ لَلْكُفَّارِ، وَكَانَ حُكْمُ الْكُفْرِ هُوَ الْغَالِبُ.
فَإِنْ قِيلَ : إذَا كَانَتْ الْآيَةُ فِي شَأْنِ الْمُنَافِقِينَ، وَهُمْ كُفَّارٌ فَكَيْفَ يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ؟ قِيلَ لَهُ : لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مَحْظُورٌ فَلَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَتَى ذَمَّ قَوْمًا عَلَى فِعْلٍ فَذَلِكَ الْفِعْلُ قَبِيحٌ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ فِعْلُهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ.
وَقِيلَ إنَّ أَصْلَ الْعِزَّةِ هُوَ الشِّدَّةُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْأَرْضِ الصُّلْبَةِ الشَّدِيدَةِ " عَزَازُ " وَقِيلَ : قَدْ اسْتَعَزَّ الْمَرَضُ عَلَى الْمَرِيضِ إذَا اشْتَدَّ مَرَضُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْقَائِلِ " عَزَّ عَلَيَّ كَذَا " إذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ، وَعَزَّ الشَّيْءُ إذَا قَلَّ ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَدُّ مَطْلَبُهُ ؛ وَعَازَّهُ فِي الْأَمْرِ إذَا شَادَّهُ فِيهِ، وَشَاةٌ عَزُوزٌ إذَا كَانَتْ تَحْلِبُ بِشِدَّةٍ لِضِيقِ أَحَالِيلِهَا، وَالْعِزَّةُ الْقُوَّةُ مَنْقُولَةٌ عَنْ الشِّدَّةِ، وَالْعَزِيزُ الْقَوِيُّ الْمَنِيعُ ؛ فَتَضَمَّنَتْ


الصفحة التالية
Icon