قَالَ :﴿ حَضَرْت حِلْفَ الْمُطَيِّبِينَ وَأَنَا غُلَامٌ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَنْكُثَهُ وَأَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ ﴾.
وَقَدْ كَانَ حِلْفُ الْمُطَيِّبِينَ بَيْنَ قُرَيْشٍ عَلَى أَنْ يَدْفَعُوا عَنْ الْحَرَمِ مَنْ أَرَادَ انْتِهَاكَ حُرْمَتِهِ بِالْقِتَالِ فِيهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿ وَمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إلَّا شِدَّةً ﴾ فَهُوَ نَحْوُ حِلْفِ الْمُطَيِّبِينَ وَحِلْفِ الْفُضُولِ، وَكُلِّ مَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ مِنْ الْمُعَاقَدَةِ دُونَ مَا كَانَ مِنْهُ مَعْصِيَةً لَا تُجَوِّزُهُ الشَّرِيعَةُ.
وَالْعَقْدُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الشَّدُّ، تَقُولُ : عَقَدْت الْحَبْلَ، إذَا شَدَدْته.
وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ تُسَمَّى عَقْدًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ ﴾ وَالْحِلْفُ يُسَمَّى عَقْدًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَاَلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ﴾.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ :﴿ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ قَالَ :" هِيَ الْعُهُودُ وَالْأَيْمَانُ ".
وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ فِي قَوْلِهِ :﴿ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ قَالَ :" هِيَ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالْحِلْفِ وَالْعَهْدِ " وَزَادَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ مِنْ قَبْلِهِ :" وَعَقْدُ الشَّرِكَةِ وَعَقْدُ الْيَمِينِ ".
وَرَوَى وَكِيعٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ :" الْعُقُودُ سِتَّةٌ عَقْدُ الْإِيمَانِ، وَعَقْدُ النِّكَاحِ، وَعُقْدَةُ الْعَهْدِ، وَعُقْدَةُ الشِّرَى وَالْبَيْعِ، وَعُقْدَةُ الْحِلْفِ ".
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : الْعَقْدُ مَا يَعْقِدُهُ الْعَاقِدُ عَلَى أَمْرٍ يَفْعَلُهُ هُوَ أَوْ يَعْقِدُ عَلَى غَيْرِهِ فِعْلَهُ عَلَى وَجْهِ إلْزَامِهِ إيَّاهُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا كَانَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ الشَّدُّ ثُمَّ نُقِلَ إلَى الْأَيْمَانِ، وَالْعُقُودُ عُقُودُ الْمُبَايَعَاتِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ إلْزَامُ الْوَفَاءِ بِمَا ذَكَرَهُ فِي إيجَابِهِ عَلَيْهِ، وَهَذَا إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مِنْهُ مَا كَانَ مُنْتَظَرًا مُرَاعًى فِي