فَإِنْ قِيلَ : هَلْ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ يَمِينًا أَوْ نَذْرًا أَوْ شَرْطًا لِغَيْرِهِ الْوَفَاءُ بِشَرْطِهِ وَيَكُونُ عَقْدُهُ لِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ يَلْزَمُهُ مَا شَرَطَهُ وَأَوْجَبَهُ ؟ قِيلَ لَهُ : أَمَّا النُّذُورُ فَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْحَاءٍ : مِنْهَا نَذْرُ قُرْبَةٍ، فَيَصِيرُ وَاجِبًا بِنَذْرِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ فِعْلُهُ قُرْبَةً غَيْرَ وَاجِبٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾، وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدْتُمْ ﴾ وقَوْله تَعَالَى :﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ﴾، وقَوْله تَعَالَى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾، وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ فَذَمَّهُمْ عَلَى تَرْكِ الْوَفَاءِ بِالْمَنْذُورِ نَفْسَهُ ؛ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ :﴿ أَوْفِ بِنَذْرِك ﴾ حِينَ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا سَمَّاهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَفِيَ بِهِ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّهِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ﴾ ؛ فَهَذَا حُكْمُ مَا كَانَ قُرْبَةً مِنْ الْمَنْذُورِ فِي لُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ بِعَيْنِهِ وَقِسْمٌ آخَرُ : وَهُوَ مَا كَانَ مُبَاحًا غَيْرَ قُرْبَةٍ، فَمَتَى نَذَرَهُ لَا يَصِيرُ وَاجِبًا وَلَا يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ، فَإِذَا أَرَادَ بِهِ يَمِينًا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إذَا لَمْ يَفْعَلْهُ، مِثْلُ قَوْلِهِ :" لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُكَلِّمَ زَيْدًا وَأَدْخُلَ هَذِهِ الدَّارَ وَأَمْشِيَ إلَى السُّوقِ " فَهَذِهِ أُمُورٌ مُبَاحَةٌ لَا تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ ؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْقُرَبِ لَا يَصِيرُ قُرْبَةً بِالْإِيجَابِ، كَمَا أَنَّ مَا لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْوُجُوبِ لَا يَصِيرُ وَاجِبًا بِالنَّذْرِ ؛ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ