الْمُتَعَارَفُ عِنْدَهُمْ، وَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَكَانَ اللَّفْظُ مُجْمَلًا مُفْتَقِرًا إلَى الْبَيَانِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ.
فَإِنْ قِيلَ : فَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ ﴾ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، كَمَا أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ وَلَا يُخْرِجُهَا ذَلِكَ مِنْ أَنْ تَكُونَ دِيَةً كَامِلَةً لَهَا.
قِيلَ لَهُ : هَذَا غَلَطٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا ذَكَرَ الرَّجُلَ فِي الْآيَةِ فَقَالَ :﴿ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً ﴾ ثُمَّ قَالَ :﴿ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ ﴾، فَكَمَا اقْتَضَى فِيمَا ذَكَرَهُ لِلْمُسْلِمِ كَمَالَ الدِّيَةِ كَذَلِكَ دِيَةُ الْمُعَاهَدِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي اللَّفْظِ مَعَ وُجُودِ التَّعَارُفِ عِنْدَهُمْ فِي مِقْدَارِ الدِّيَةِ.
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ : أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الدِّيَةِ وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُهَا الِاسْمُ مُقَيَّدًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ دِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِطْلَاقُ اسْمِ الدِّيَةِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ الْمُعْتَادِ وَهُوَ كَمَالُهَا ؟.
فَإِنْ قِيلَ : قَوْله تَعَالَى :﴿ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ ﴾ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ : وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ الْمُؤْمِنُ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ ؛ فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْإِيمَانِ لِلْقَتِيلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ عَنْ إعَادَتِهِ فِي الْقَتِيلِ الثَّالِثِ.
قِيلَ لَهُ : هَذَا غَلَطٌ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْخِطَابِ ذِكْرُ الْقَتِيلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً وَحُكْمُهُ، وَذَلِكَ عُمُومٌ يَقْتَضِي سَائِرَ الْمُؤْمِنِينَ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ، فَغَيْرُ جَائِزٍ إعَادَةُ ذِكْرِ الْمُؤْمِنِ بِذَلِكَ الْحُكْمِ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ مَعَ شُمُولِ أَوَّلِ الْآيَةِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْمُؤْمِنَ مِمَّنْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ.
وَالثَّانِي : لَمَّا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِذِكْرِ


الصفحة التالية
Icon