قَوْله تَعَالَى :﴿ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ ﴾ قِيلَ فِي الْأَنْعَامِ إنَّهَا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الْإِطْلَاقُ يَتَنَاوَلُ الْإِبِلَ وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَرِدَةً، وَيَتَنَاوَلُ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ إذَا كَانَتْ مَعَ الْإِبِلِ، وَلَا تَتَنَاوَلُهُمَا مُنْفَرِدَةً عَنْ الْإِبِلِ ؛ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ.
وَقِيلَ : إنَّ الْأَنْعَامَ تَقَعُ عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ وَعَلَى الظِّبَاءِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا الْحَافِرُ ؛ لِأَنَّهُ أُخِذَ مِنْ نُعُومَةِ الْوَطْءِ ؛ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ اسْتِثْنَاؤُهُ الصَّيْدَ مِنْهَا بِقَوْلِهِ فِي نَسَقِ التِّلَاوَةِ :﴿ غَيْرَ مُحَلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَافِرَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْأَنْعَامِ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى :﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا ﴾ فَلَمَّا اسْتَأْنَفَ ذَكَرَهَا وَعَطَفَهَا عَلَى الْأَنْعَامِ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهَا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي جَنِينِ الْبَقَرَةِ :" إنَّهَا بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ " وَهُوَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْبَقَرَةَ مِنْ الْأَنْعَامِ.
وَإِنَّمَا قَالَ ﴿ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ ﴾ وَإِنْ كَانَتْ الْأَنْعَامُ كُلُّهَا مِنْ الْبَهَائِمِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ :" أَحَلَّ لَكُمْ الْبَهِيمَةَ الَّتِي هِيَ الْأَنْعَامُ " فَأَضَافَ الْبَهِيمَةَ إلَى الْأَنْعَامِ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ، كَمَا تَقُولُ نَفْسُ الْإِنْسَانِ.