قَوْله تَعَالَى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ ﴾ رُوِيَ عَنْ السَّلَفِ فِيهِ وُجُوهٌ : فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ :" أَنَّ الشَّعَائِرَ مَنَاسِكُ الْحَجِّ ".
وَقَالَ مُجَاهِدٌ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةُ وَالْهَدْيُ وَالْبُدُنُ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الشَّعَائِرِ " وَقَالَ عَطَاءٌ فَرَائِضُ اللَّهِ الَّتِي حَدَّهَا لِعِبَادِهِ ".
وَقَالَ الْحَسَنُ دِينُ اللَّهِ كُلُّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ أَيْ دِينُ اللَّهِ ".
وَقِيلَ : إنَّهَا أَعْلَامُ الْحَرَمِ نَهَاهُمْ أَنْ يَتَجَاوَزُوهَا غَيْرَ مُحْرِمِينَ إذَا أَرَادُوا دُخُولَ مَكَّةَ.
وَهَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا فِي احْتِمَالِ الْآيَةِ.
وَالْأَصْلُ فِي الشَّعَائِرِ أَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْإِشْعَارِ وَهِيَ الْإِعْلَامُ مِنْ جِهَةِ الْإِحْسَاسِ، وَمِنْهُ مَشَاعِرُ الْبَدَنِ وَهِيَ الْحَوَاسُّ.
وَالْمَشَاعِرُ أَيْضًا هِيَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي قَدْ أُشْعِرَتْ بِالْعَلَامَاتِ ؛ وَتَقُولُ : قَدْ شَعَرْت بِهِ، أَيْ عَلِمْته ؛ وَقَالَ تَعَالَى :﴿ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ يَعْنِي : لَا يَعْلَمُونَ.
وَمِنْهُ الشَّاعِرُ لِأَنَّهُ يَشْعُرُ بِفِطْنَتِهِ لِمَا لَا يَشْعُرُ بِهِ غَيْرُهُ.
وَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ عَلَى مَا وَصَفْنَا فَالشَّعَائِرُ الْعَلَامَاتُ وَاحِدُهَا شَعِيرَةٌ، وَهِيَ الْعَلَامَةُ الَّتِي يُشْعَرُ بِهَا الشَّيْءُ وَيُعْلَمُ ؛ فَقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ ﴾ قَدْ انْتَظَمَ جَمِيعَ مَعَالِمِ دِينِ اللَّهِ، وَهُوَ مَا أَعْلَمَنَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَهُ مِنْ فَرَائِضِ دِينِهِ وَعَلَامَاتِهَا بِأَنْ لَا يَتَجَاوَزُوا حُدُودَهُ وَلَا يُقَصِّرُوا دُونَهَا وَلَا يُضَيِّعُوهَا، فَيَنْتَظِمُ ذَلِكَ جَمِيعَ الْمَعَانِي الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ السَّلَفِ مِنْ تَأْوِيلِهَا ؛ فَاقْتَضَى ذَلِكَ حَظْرَ دُخُولِ الْحَرَمِ إلَّا مُحْرِمًا، وَحَظْرَ اسْتِحْلَالِهِ بِالْقِتَالِ فِيهِ، وَحَظْرَ قَتْلَ مَنْ لَجَأَ إلَيْهِ، وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى وُجُوبِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ بِهِمَا