وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ وَلَا الْقَلَائِدَ ﴾ فَإِنَّ مَعْنَاهُ : لَا تُحِلُّوا الْقَلَائِدَ.
وَقَدْ رُوِيَ فِي تَأْوِيلِ الْقَلَائِدِ وُجُوهٌ عَنْ السَّلَفِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :" أَرَادَ الْهَدْيَ الْمُقَلَّدَ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ الْهَدْيِ مَا يُقَلَّدُ وَمِنْهُ مَا لَا يُقَلَّدُ، وَاَلَّذِي يُقَلَّدُ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ، وَاَلَّذِي لَا يُقَلَّدُ الْغَنَمُ، فَحَظَرَ تَعَالَى إحْلَالَ الْهَدْيِ مُقَلَّدًا وَغَيْرَ مُقَلَّدٍ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ :" كَانُوا إذَا أَحْرَمُوا يُقَلِّدُونَ أَنْفُسَهُمْ وَالْبَهَائِمَ مِنْ لِحَاءِ شَجَرِ الْحَرَمِ، فَكَانَ ذَلِكَ أَمْنًا لَهُمْ، فَحَظَرَ اللَّهُ تَعَالَى اسْتِبَاحَةَ مَا هَذَا وَصْفُهُ وَذَلِكَ مَنْسُوخٌ فِي النَّاسِ وَفِي الْبَهَائِمِ غَيْرِ الْهَدَايَا ".
وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ قَتَادَةَ فِي تَقْلِيدِ النَّاسِ لِحَاءَ شَجَرِ الْحَرَمِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ :" أَرَادَ بِهِ قَلَائِدَ الْهَدْيِ بِأَنْ يَتَصَدَّقُوا بِهَا وَلَا يَنْتَفِعُوا بِهَا ".
وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ :" يُقَلَّدُ الْهَدْيُ بِالنِّعَالِ، فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ فَالْجِفَافُ تُقَوَّرُ ثُمَّ يُجْعَلُ فِي أَعْنَاقِهَا ثُمَّ يُتَصَدَّقُ بِهَا ".
وَقِيلَ : هُوَ صُوفٌ يُفْتَلُ فَيُجْعَلُ فِي أَعْنَاقِ الْهَدْيِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَدْ دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ تَقْلِيدَ الْهَدْيِ قُرْبَةٌ، وَأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ كَوْنِهِ هَدْيًا وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَلِّدَهُ وَيُرِيدَ أَنْ يَهْدِيَهُ فَيَصِيرَ هَدْيًا بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُوجِبْهُ بِالْقَوْلِ، فَمَتَى وُجِدَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَقَدْ صَارَ هَدْيًا لَا تَجُوزُ اسْتِبَاحَتُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِأَنْ يَذْبَحَهُ وَيَتَصَدَّقَ بِهِ.
وَقَدْ دَلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ قَلَائِدَ الْهَدْيِ يَجِبُ أَنْ يُتَصَدَّقَ بِهَا لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهَا، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبُدْنِ الَّتِي نُحِرَ بَعْضُهَا بِمَكَّةَ وَأَمَرَ عَلِيًّا بِنَحْرِ بَعْضِهَا، وَقَالَ لَهُ :{ تَصَدَّقْ بِجِلَالِهَا وَخُطُمِهَا وَلَا تُعْطِ الْجَزَّارَ مِنْهَا شَيْئًا